للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوى أن التخصص في العلم سبب للفصل بين العلم والخشوع]

السؤال

ألا ترى أن من أسباب وجود تلك التفرقة أو الانفصام في شخصية الطالب بين الخوض في مسائل الفقه والحديث، وبين الخشوع والرقائق كما ذكرتم، من أسبابها التخصص، فحين يتخصص طالب السنة والحديث في هذا التخصص لا بد أن يسخر أوقاته في الحفظ والمراجعة ومعرفة أسماء الرجاء ومذاهب الأئمة، والتفتيش في الكتب والمطالعة الدائمة فيطغى ذلك على شخصيته، أو طالب الفقه في معرفة مذاهب الأئمة وملازمة كتب الفقه، فمن هنا يغرق كل واحد في تخصص ما، ويطغى وقته على هذه الأمور؟

الجواب

لا أوافق على ذلك، فقد يحتج البعض في ذلك بهذه الحجة، ولعل الأخ يقصد سياق الحجة ولا يقصد التأييد على ذلك؛ لكن ماذا نريد من إنسان يحفظ مسائل العلم ويتقنها ثم بعد ذلك لا يملك ما يضبط هذا العلم وما يجعله يؤدي الدور الحقيقي.

والعلم إما أن يكون خيراً على المرء وللناس، وإما أن يكون وبالاً عافانا الله وإياكم.

لأنه حين يتسلل الهوى والشهوات والأغراض إلى طالب العلم، فإنه يصبح وسيلة لإضلال الناس، ويصبح وبالاً على نفسه وعلى المسلمين، ولهذا فحين نفتقد هذه المعاني، ونفتقد هذه الأمور، فإنه مدعاة إلى تسلل هذه الأهواء.

ثم بيني وبينك يا أخي كتاب الله بعيداً عن هذا كله، فهذه صفات أهل العلم في كتاب الله عز وجل، فمن لم يتصف بها فقد نقص وفقد صفة مهمة من صفات أهل العلم، فالقرآن والسنة وأقوال سلف الأمة الذين برعوا في العلم، وبرعوا في هذه المسائل كلها ناطقة بأن العلم لا ينفصل عن هذه القضية، ولا ينفصل عن هذه الحقيقة.

ومما يؤسف أنك تجد في العالم الإسلامي كثيراً من حملة الشهادات العليا في التخصصات الشرعية تجده في مظهره غير ملتزم.

يعني طبيعي جداً تدخل جامعة في العالم الإسلامي، فتجد أستاذ شريعة وأستاذاً في السنة واسع الإطلاع على المسائل لكن مظهره الشرعي بعيد عن الالتزام الشرعي، فتجد أنه حالق لحيته، مسبل ثوبه، لا يؤدي الصلاة مع الجماعة أو لا يحافظ عليها، فلماذا نشأ هذا الأمر؟ نشأ من الفصل بين هاتين القضيتين.

فلا يليق أبداً بأي حجة أن نلغي هذا الأمر، بل نعتبر أن هذه القضية ليست قضية تخصص، وأن الخشوع مطلب أساسي لكل طالب علم، لا يجوز أن يخل به أبداً، كما أن هناك علوماً مما هي بالنسبة لطالب العلم فرض عين لا يسقطها التخصص، كذلك هذا الأمر من أهم الأمور.

نعم قد يكون التخصص في جانب إبداع هذا الإنسان وقدرته على التأثير على الناس بشكل أكبر، وهذا موجود حتى عند السلف، فقد وجد عند السلف من كان في الوعظ أكثر تأثيراً من غيره، هنا يأتي جانب التخصص، أما أن نلغي هذا وأن نفتقده فلا، لأنا نكون قد فقدنا القدر الواجب الذي لا يستقيم علم الإنسان بدونه.