للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية معرفة طرق الحق]

ومن هنا نقول: لا بد أن ننضبط، ونعرف للحق طرقه، وما عرف أن المنشور من سابق عهد الدعوة إلى يومنا هذا إلا أسلوب من أساليب الدعوة، نعم، قد يقول بعضكم: لا بد من التشهير بأهل الفسق، والفاسق لا غيبة له، أقول: أنا أوافقك على أن من عرف بفسقه وعرف بإفساده سواءً في فكره وفي كتاباته وفي تحركاته، من عرف بفسقه وعداوته للمجتمع أوافقك أنه لا بد من تشهيره ولا بد من التحذير من فسقه، ولكن من الذي يقرر هذا؟ هل أقرره أنا؟ أم تقرره أنت؟ إذا قرر عالمٌ من علماء المسلمين الذي يعتد بعلمهم وفتواهم في هذا الأمر، حينئذٍ نقول: نعم يشهر بهذا، أما أن أحكم أنا بأن فلاناً فاسق وإن كان فاسقاً، وليس عندي فتوى تجعلني أشهر وأحذر من فسقه على الملأ، وقد أحذر من فسقه في أمري بخاصة نفسي فيمن دوني، لكن أن أنشر عنه منشوراً أو أتكلم به على المنبر، لا.

لا بد من فتوى، فلو أفتى سماحة مفتي الديار السعودية أن فلاناً بن فلان فاسقٌ يشهر به، والله لمزقنا جلده أمامكم وأمام كل مجتمع، لكي نبين خطره وفساد مذهبه، وخبث طويته وفساد عقيدته وأسلوبه.

أما أن نجعل أنفسنا باجتهاداتٍ ضعيفة وعلمٍ قليل، وتجربةٍ قصيرة، أن نجعل أنفسنا حاكمةً على البشر فنشهر بمن نريد، هذا أمرٌ لا يصح أبداً، وأقول هذا الكلام وأنا أعرف -أيها الأحبة- أن مجتمعنا لم يصل إلى هذه المرحلة، أقول هذا الكلام وأنا أعرف أن الصالحين وعامة أفراد المجتمع لم يصلوا إلى هذه المرحلة، ولكن نحذر أنفسنا قبل أن ينجح المنافقون في تحقيق ما يدبرونه وما يريدونه، قبل أن نقع كما يقول القائل:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا

أيها الأحبة: نحذر من الشر قبل وقوعه، والوقاية خير من العلاج.

أيها الإخوة في الله: إن من واجبنا تجاه الأحداث التي تخالف شرعنا وتخالف قرآننا، وسنة نبينا، من واجبنا أن ننكرها، ولا يجوز لمسلمٍ أن يحب ما حرم الله، ولا يجوز لمسلمٍ أن يكره ما أحب الله {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:٩] إن محبة ما يكرهه الله، وكراهية ما أحبه الله من الأمور العشرة التي تخرج من الملة، كما ذكرها إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب نور الله ضريحه وجمعنا به في الجنة.

أيها الأحبة في الله! يوم أن نقول: إن من واجبنا أن نكره ما كره الله، وأن نحب ما أحب الله، وأن نجرم ما جرم الله، وأن نستحسن ما ندب الله إليه، من واجبنا تجاه أي مخالفة أمام هذا الأمر ألا نتصرف تصرفاتٍ فردية، نحن مجتمعٌ مسلم، وحينما أقول: صحوةٌ مسلمة فإني أقصد المجتمع كله؛ لأن مجتمعنا بفضل الله جل وعلا وإن وجد في بعض أفراده شيءٌ من الذنوب أو المعاصي أو التقصير فإنه لم يبلغ مبلغاً أصبح فيه ديوثاً، أو يرضى بالعار والمجاهرة بالفسق في بيته وأهله.

أقول: لا نزال بخير فحينما نكون يا أهل الصحوة صحوة الأمة الإسلامية في شعب هذه الجزيرة وفي بقية المسلمين في العالم، صحوة الأمة الإسلامية يوم أن تنكر أمراً أنكره الله، إنها لا تبادر بتصرف فرديٍ من ذات نفسها، وإنما ترفع هذا إلى علمائها لتعرف ما الطريق إلى علاج هذا الأمر؟ إن الإستحسان ليس من أدلة التشريع ولا يلزم وخاصةً في أمور الشريعة، قد تستحسن أمراً من أمور الدنيا فتطبقه، أما أمور الشرع فليس استحسانك لشيء دليلك على جوازه، ليس استحسانك لشيء دليلٌ لك على الإذن بفعله والتصرف فيه إذاً ما الذي يأذن لي بالتصرف فيما أريد؟ يأذن لي العلماء الذي يقولون: إن هذا أمرٌ واجب، أو أمرٌ يجوز أو أمرٌ لا يجوز.

إن الأمور إذا الأحداث دبرها دون الشيوخ ترى في بعضها خللا

أخشى -أيها الأحبة في الله- أن نكون كمن قال فيه القائل:

رام نفعاً فضر من غير قصدٍ ومن البر ما يكون عقوقا

فمتى يكون العمل والتصرف في محله؟ إذا كان عليه نورٌ من الكتاب والسنة، واجتهاد أهل العلم.

أحبتي في الله! يوم أن استقمت على دين الله أو استقمت أنت على دين الله من خمس سنوات، أو سبع سنوات، أو عشر سنوات هل ستكون أتقى لله وأعلم بالله وأغير على دين الله من سماحة مفتي هذه البلاد الذي شابت لحيته في الإسلام؟ الذي بلغ الثمانين من عمره؟ أسأل الله أن يمد لنا في عمره، أسأل الله أن يبقيه رحمةً للمسلمين، أسأل الله أن يتمم النعمة على الأمة به، أسأل الله أن يمتعه بالصحة والعافية، اللهم بارك في وقته اللهم بارك في ذهابه، اللهم بارك في إيابه، اللهم بارك في حركاته وسكناته وفي صمته ونطقه، اللهم بارك في إشارته وكلمته وفي كل حالٍ من أحواله.

ويا أهل هذه البلاد! والله إن من نعم الله عليكم هذا العالم الجليل، وهذا الرجل الذي أنعم الله به على الأمة وبغيره قبله، ومن نعم الله على هذه الأمة أن أنعم عليها بولاة أمرٍ يخافون الله، وأنعم الله على هذه الأمة بمجتمعٍ لا يزال يرفع الإسلام وبولاة أمر لا يزالون يعلنون العقيدة ويعلنون الشريعة بدلاً من أولئك الذين يحكمون الكتاب الأخضر، والنظرية الاشتراكية، والفكر البعثي، والنجاسة الثقيلة، إنها من أعظم النعم علينا في هذا الزمان.

أقول أيها الأحبة! إن من واجبنا ومن واجب الغيورين والمخلصين منا ألا يبقوا جامدين أو كسالى، لا أقول هذا الكلام؛ لكي يضع كل منا يده تحت رأسه أو يتوسد وسادته ثم يقول: قد انتهى الأمر وليس لي، لا، نريدك أن تعمل وكأن ليس في المجتمع إلا أنت من حيث الحماس والمتابعة وعدم البرود، وعدم الفتور، ولا نريد أن تتصرف إلا بإذن شرعي وبفتوى شرعية؛ حينئذٍ تكون حركة كل واحدٍ منا تخدم أهدافنا والأسس التي قامت عليها بلادنا، وتخدم ما نريده وما نصبوا إليه من تحقيق الأمن والطمأنينة في هذا المجتمع.

أيها الأحبة في الله! أوصيكم ونفسي بالالتفاف حول العلماء، الذين بلغوا في السن عتيا، أوصيكم ونفسي بالالتفاف والقرب والدنو والصلة بالعلماء؛ فإن أولئك لا يصدرون الفتوى إلا عن أمرٍ أو نهيٍ أو دليلٍ من عند الله جل وعلا، ولا يمكن أن يستحسنوا إلا ما استحسنه الله، ولا يصوبوا إلا ما صوبه الله، ولا يخطئوا إلا ما خطأه الله؛ وحينئذٍ نعبد الله على بصيرةٍ وندين الله بكل عملٍ من الأعمال التي نعملها.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.