للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رؤيا الأنبياء وما في حكمها]

واعلموا -يا عباد الله- أن الرؤى لا تكون وحياً يعمل به إلا إذا رآها نبي، ودليل ذلك أن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما رأى في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل، نفذ الرؤيا وطبقها وعمل بها، ولم يقل: أضغاث أحلام، يرى أنه يذبح فلذة كبده وولده بالشفرة والسكين كما تذبح البهيمة ومع ذلك لم يقل: هذه أضغاث أحلام؟ لأنها رؤيا نبي ورؤى الأنبياء حق، وقد وفّى بها وأراد ذبح ولده فلذة كبده ولكن الله افتداه بكبش سمين.

وتكون الرؤيا وحياً إذا رئُيت على عهد نبي وأقرها وأمر بالعمل بها، ومثال هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم اهتم للصلاة، وكيف يجمع الناس لها، فقيل له: خذ راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها أعلم بعضهم بعضاً، فلم يعجبه ذلك وقال: (هو من أمر اليهود.

فذكر له الناقوس فقال صلى الله عليه وسلم: هو من أمر النصارى) فانصرف عبد الله بن زيد رضي الله عنه وهو مهتم لهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُري الأذان في منامه، قال: طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة.

قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى.

فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر وسرد عليه الأذان إلى آخره إلى أن علمه الأذان، ثم استأخر عنه غير بعيد، ثم قال لـ عبد الله بن زيد: تعود إذا قمت إلى الصلاة تقول: الله أكبر الله أكبر، وعلمه الإقامة، فلما أصبح جاء عبد الله بن زيد وقص رؤياه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال نبينا صلى الله عليه وسلم: (إنها لرؤيا حق إن شاء الله) وفي رواية قال: (قد سبقك بها الوحي، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتاً منك).

وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا اقترب الزمان -أي: قرب قيام الساعة- لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً) ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة.