واجتماع تلك الدماء لا يوجب أنه لا يصعب عليه قتل عدوٍّ بعدها البتَّة، ومعناه: إن خيله خاضت دماء الروم خوضاً عاماً شاملاً لمهجاتِهم بدمائهم حتى كأن سيف الدولة كفيلٌ بإراقة كل دمٍ لم تخضه خيله. أي: يريقه ويخوضه خيله إذ لم يذر منها حياً أحداً ولا دماً محقوناً إلا هَراقَه وأخاضه خيله.
(ورعنَ بنا قلبَ الفراتِ كأنَّما ... تخرُّ عليهِ بالرِّجالِ سُيولُ)
قال أبو الفتح: كنى بقوله: ورعن بنا قلب الفرات عن خوضها فيه، ولقد أجاد العبارة وأحسنها.
قال الشيخ: لقد اختصر تفسيره، وما أبصر تقصيره، وما أبعده عن معناه وما أعماه عمَّا رآه، الرجل ساحر في شعره باقعةٌ في سحره، وبعيدٌ أن تُدرك معانيه، سيما إذا أبدع معنى بعينه، وهذا من ذاك، وهو يقول: راعت الخيول قلب الفرات باقتحامنا له وهجومنا عليه حتى هاله وغير لونه وحاله، والمعهود والمعتاد أن تُراع قلوب الناس بخوض الفرات، ونحن أناس يُراع بنا قلب الفرات، ويدلُّك على صحته المصراع الثاني: