ومرارة فراق الحبيب وفقده، وما يقاسيه المتيم بعد بعده، وما يكابده من تجرع كؤوس هجره وصده، وما يحصل عليه من وجود شتاته وعدم سناته، وما تذكيه نار المحبة من همول مقلتيه، وتصاعد زفراته، وما يبديه الغرام من تواتر أحزانه، وتزايد حسراته، وما يجنيه البعاد من تتابع أنفاسه، وتواصل أناته، فمعانيه مقهور بالأوجاع والأوجال، مأسور بحبائل الفتن وأغلال الإعلال، لا ينهض بمقاساته إلا الفحول من الرجال، ويضعف عنه كل ضعيف (قلب) نشأ في النعيم وفي الدلال، ولقد أجاد من أوضح هذا المقال؛ حيث قال:
هوىً بين الملاحةِ والجمالِ ... يُقاسيه القويُّ من الرِّجالِ
ويضعفُ عنه كُلُّ ضعيفِ قَلْبٍ ... تربَّى في الَّنعيمِ وفي الدَّلالِ
إن أضر ما على الإنسان، في كل زمان، أن يجري طرفه مرخى العنان، فيمرح في ميدان الملاحة والجمال، ويسرح في أفنان اللطافة والدلال، فينظر ما لا يقدر على الصبر عنه النظر إليه، ولا يستطيع الفرار منه عند الزحف عليه، فيرجع بعد النعمة والوقار، إلى موقف المذلة والانكسار، وبعد المناصب والخدم، إلى التوريط والندم، وقد قيل: كم نظرة أعقبت تعباً وحسرة! وكانت نظرة حلوة، فأعقبت عيشة مرة.