فإذا استمر عكوف القلب على الله عزَّ وجلَّ، ونظر قلبه إليه كأنه يراه سبحانه، ويرى تفرده بالخلق والأمر، والنفع والضر، والعطاء والمنع فقد كملت وتمت معرفة العبد لربه.
وكلما تمكن العبد في التوحيد علم أن الحق سبحانه هو الذي علمه صفات نفسه بنفسه، لم يعرفها العبد من ذاته، ولا بغير تعريف الحق له.
وعرف أن الله خالق كل شيء، ومالك كل شيء، وقادر على كل شيء، وعالم بكل شيء، ومحيط بكل شيء.
وهذا يوصله إلى معرفة الذات الجامعة لصفات الكمال والجلال والجمال.
الدرجة الثالثة: معرفة مستغرقة في محض التعريف.
فالمعرفة: صفة العبد وفعله، والتعريف: فعل الرب وتوفيقه.
فالله عزَّ وجلَّ هو الذي عرَّف العبد فعرف، ولولا فضل الله ما وجد، ولا علم، ولا آمن، ولا اهتدى.
وهذه مرتبة شريفة وفضل من الله، فهو الذي خلق الإنسان وعلمه ما لم يعلم، وصاحب هذه المعرفة كلما كانت معرفته أتم كان قربه من ربه أتم.
ويجب على كل عبد أعطاه الله عقلاً يدرك به حقائق الأشياء أن يعرف ربه .. ونفسه .. ودنياه .. وآخرته.
فإذا عرف ربه .. نشأ من ذلك محبة الله وتعظيمه، وطاعته وعبادته.
وإذا عرف نفسه .. نشأ من ذلك الحياء والخوف من ربه.
وإذا عرف دنياه .. نشأ من ذلك شدة الرغبة عنها.
وإذا عرف آخرته .. نشأ من ذلك شدة الرغبة فيها.
والناس في معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله متفاوتون، حسب كمال المعرفة ونقصها.
فمنهم من يعرف ربه بالجود والإفضال والإحسان.
ومنهم من يعرفه بالعفو والحلم، والتجاوز والصفح.