لتوقن كل عصبة مؤمنة أن الله معها، وأنها تملك في كل زمان وفي كل مكان أن تغلب خصومها وأعداءها مهما تكن هي من القلة، ومهما يكن عدوها من الكثرة، ومهما تكن هي من ضعف العدة، ومهما يكن عدوها من كثرة العدة؛ لأن النصر من عند الله وحده، وهم مؤمنون يجاهدون في سبيل الله.
ولا تستقر هذه الحقيقة في القلوب كما تستقر بالمعركة العملية المرئية الفاصلة بين قوة الإيمان وقوة الطغيان، كما تجلى ذلك كله في غزوة بدر كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣)} [آل عمران: ١٢٣].
إن غزوة بدر لتمضي مثلاً للأمة، تتمثل فيها أصول النصر والهزيمة، وتكشف عن أسباب النصر والهزيمة، الأسباب الحقيقية لا الأسباب الظاهرية المادية.
ظهرت فيها قوة لا إله إلا الله كما ظهرت في أُحد قوة محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي بدر أظهر الله قدرته، وفي أحد أظهر الله سنته، فلما عصى الرماة أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - رفع الله النصر، فالمعاصي سبب كل هزيمة.
إن غزوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاب مفتوح تقرؤه الأجيال في كل زمان ومكان، فهي آية من آيات الله، وسنةٌ من سننه الجارية في خلقه ما دامت السموات والأرض.
وحسب المسلمين أن يبذلوا ما في طوقهم فلا يستبقوا منه بقية، وأن يمضوا في طاعة أمر الله واثقين بنصر الله في أي معركة مع الباطل، حسبهم هذا لينتهي دورهم، ويجيء دور القدرة التي تصرفهم وتدبرهم وتملك الكون كله.
وحسب العصبة المؤمنة أن تشعر أن جند الله معها لتطمئن قلوبها، وتثبت في المعركة، ثم يجيء النصر كما يجيء المطر من الله وحده، حيث لا يملك النصر غيره: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠)} [الأنفال: ٩، ١٠].
إن خروج العصبة المؤمنة لإعلاء كلمة الله أمر هائل عظيم، أمر يستحق معية الله