والله تبارك وتعالى خالق كل شيء ومالك كل شيء، ولكن من فضله وجوده وإحسانه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، فاستخلص سبحانه لنفسه أنفس المؤمنين وأموالهم فلم يعد لهم منها شيء.
لم يعد لهم خيار أن يستبقوا منها بقية لا ينفقونها في سبيل الله.
لم يعد لهم خيار أن يبذلوا أو يمسكوا، إنها صفقة مشتراة، ولمشتريها أن يتصرف بها كما يشاء، وليس للبائع فيها من شيء، سوى أن يمضي في الطريق المرسوم، لا يلتفت ولا يتخير ولا يجادل، فهو عبد مملوك، وليس للعبد إلا الطاعة والعمل والاستسلام والانقياد: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١)} [التوبة: ١١١].
فالثمن هو الجنة .. والطريق هو الجهاد والقتل والقتال لإعلاء كلمة الله، وكف العدوان، وإزالة الفساد .. والنهاية هي النصر أو الشهادة التي بعدها الجنة.
والمؤمنون هم الذين اشترى الله منهم فباعوا، فمن بايع هذه البيعة، ووفى بها فهو المؤمن الحق.
ومن رحمة الله أن جعل للصفقة ثمناً، وإلا فهو واهب الأنفس والأموال، وهو مالك الأنفس والأموال وكل ما في الكون.
وهي بيعة رهيبة لازمة في عنق كل مؤمن، لا تسقط عنه إلا بسقوط إيمانه، وقد جعل الله مناط الحساب والجزاء هو النقض أو الوفاء بهذه البيعة، كما قال سبحانه: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (٣٤)} [الإسراء: ٣٤].
وقد تحولت هذه البيعة من فورها في القلوب المؤمنة إلى واقع مشهود، وقد قبلها أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتلقوها للعمل المباشر بها، وحولوها إلى صورة منظورة عجيبة، لا إلى صورة متأملة تحكي ولا ترى.
فكم بذلوا من أجلها من نفس؟ .. وكم أنفقوا من مال؟ .. وكم هجروا من أجلها