للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من دار؟ .. وكم تركوا من شهوات؟ .. وكم تركوا من أهل وأولاد؟ .. وكم بذلوا من أوقات؟ .. وكم جاعوا وأوذوا؟.

وكم قاتلوا وقتلوا؟ .. فلله درهم، لقد وفّوا وصدقوا: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (٢٣)} [الأحزاب: ٢٣].

خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْخَنْدَقِ، فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأنصار يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ، قال: «اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلأنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ»، فَقالوا: مُجِيبِينَ لَهُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا، عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أبَدَا. متفق عليه (١).

فالجهاد في سبيل الله بيعة معقودة في عنق كل مؤمن، منذ كان دين الله، فهي سنة جارية لا تستقيم الحياة بدونها كما قال سبحانه: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (٢٥١)} [البقرة: ٢٥١].

إن الحق الذي أرسل الله به رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - لا بدَّ أن ينطلق في طريقه في جميع الأرض، لتحرير البشر من العبودية للعباد، وردهم إلى العبودية لله وحده.

والحق إذا سار في الأرض فلا بدَّ أن يقف له الباطل في الطريق، بل لا بدَّ أن يقطع عليه الطريق، بل لا بدَّ أن يهاجمه في عقر داره كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦)} [الأنفال: ٣٦].

فأهل الباطل يقاتلون أهل الحق حسداً وبغياً من عند أنفسهم ليردوهم إلى الكفر والضلال كما قال سبحانه: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٢٨٣٤)، واللفظ له، ومسلم برقم (١٨٠٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>