ثم ذكر سبحانه أهل الإيمان الحقيقي، الذين ذاقوا طعمه وحلاوته، وهم الذين آمنوا بالله ورسوله، ثم لم يرتابوا في إيمانهم، لأن الإيمان قد باشر قلوبهم، وخالطتها بشاشته، فلم يبق للريب فيه موضع.
وصدقوا ذلك ببذل أحب شيء إليهم في رضى ربهم وهو أموالهم وأنفسهم، ولا يمكن حصول هذا البذل من غير ذوق طعم الإيمان وحلاوته كما قال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)} [الحجرات: ١٥].
فالإيمان لا يكون حتى ينبثق منه العمل الصالح.
أما الذين يقولون أنهم مسلمون ويشركون مع الله غيره .. أو يفسدون في الأرض .. ويحاربون الله ورسوله .. أو يؤذون المؤمنين والمؤمنات .. وأئمة الدين والمصلحين .. أو يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، فهؤلاء ليس لهم من الإيمان شيء، وليس لهم من ثواب الله شيء، وليس لهم من عذابه من واق كما قال سبحانه: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥)} [البقرة: ٨٥].
فلا بد من الجمع بين الإيمان القلبي، والإحسان العملي كما قال سبحانه: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢)} [البقرة: ١١٢].
وأعظم شيء وهبه الله للعبد هو الإيمان الذي يسعد به في الدنيا والآخرة وهو فضل الله وإحسانه إلى البشرية كما قال سبحانه: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٧)} [الحجرات: ١٧].
والإيمان بالله أغلى شيء في الحياة، بل هو أغلى شيء في خزائن الله، وسعادة الإنسان في الآخرة مبنية عليه، وهو أهم شيء يوصى به العبد أهله عند مفارقته