للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقوية للإيمان، إنما هو أمر آخر له مذاق آخر، إنه أمر الشوق الروحي إلى ملابسة ورؤية السر الإلهي في أثناء وقوعه العملي كما قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠)} [البقرة: ٢٦٠].

ورؤية الآيات الكونية لها مذاق .. وتدبر الآيات القرآنية لها مذاق .. والإيمان بالغيب له مذاق .. ومذاق رؤية هذه العملية أمام العين له مذاق آخر غير مذاق الإيمان بالغيب.

فأراد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - أن يرى يد القدرة وهي تعمل، ليحصل على مذاق وحلاوة هذه الملابسة.

ليستروح بها، ويتنفس في جوها، ويعيش معها.

وإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - كان ينشد اطمئنان الإنس إلى رؤية يد الله تعمل، واطمئنان التذوق للسر المحجوب وهو يتجلى وينكشف.

وقد استجاب الله لهذا الشوق والتطلع في قلب إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، وأراه التجربة الذاتية المباشرة، والقدرة الإلهية.

فرأى إبرهيم - صلى الله عليه وسلم - السر الإلهي يقع بين يديه، وهو السر الذي يقع كل لحظة، ولا يرى الناس إلا آثاره بعد تمامه، إنه سر هبة الحياة.

رأى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - هذا السر يقع بين يديه، طيور معروفة أمسكها، ثم ذبحها وقطعها، وخلط أجزاءها ببعض، ثم فرقها في أماكن متباعدة ثم دعاها، فتجمع اللحم مع اللحم، والدم مع الدم والريش مع الريش، والعظام مع العظام، ثم جاءت إليه مسرعة حية كما كانت من قبل.

فاجتمع له دليل العيان بالبصر، مع دليل الإيمان بالخبر، فحصل على مرتبة عين اليقين، فتوارد الأدلة اليقينية يزيد الإيمان، ويكمل به الإيقان، ويسعى في نيله أولو العرفان، ولذلك استجاب الله له حين قال له: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>