والإيمان بالله وإخلاص الدين له، وتحقيق عبودية البشر لله سبحانه إن هي إلا فرع من إسلام الوجود كله لله، وعبودية الوجود كله لربه.
إن الإنسان إذا نظر في هذا الكون العظيم الهائل .. لا بدَّ أن يهتز من أعماقه بالشعور القاهر بوجود الخالق البارئ المصور .. العزيز القادر الذي خلق هذا الكون .. ويدبر أمره .. ويصرف أحواله ومخلوقاته .. وله الخلق والأمر في ملكه.
فمتى يقبل هذا القلب على ربه ويؤمن به؟.
ومتى يتحرك إلى الاستجابة لداعيه؟.
ومتى يستسلم لربه، كما استسلم هذا الوجود كله بالطاعة لخالقه؟.
{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)} [آل عمران: ٨٣].
وبذلك يستشعر القلب حقيقة العبودية، ويذوق طعمها، ويتلذذ بها، في استسلام الواثق المطمئن، الذي يستشعر أن كل ما حوله من الكائنات والبشر يشاركه ويتجاوب معه في طاعة الرب وعبادته.
إن الذي يحرك العبد لعبادة ربه وتوحيده ليس فقط البرهان العقلي الذي يدل على استسلام الكائنات لربها في طواعية ويسر، بل هناك مذاق آخر.
مذاق المشاركة مع كافة المخلوقات في السماء والأرض في الطاعة.
ومذاق الطمأنينة للقلب هذا الرب العظيم الكريم.
ومذاق الانسياق مع موكب الإيمان الشامل بالمحبة والشوق.
إنه مذاق العبودية الراضية .. التي لا يسوقها القسر .. ولا يحركها القهر.
إنما تحركها قبل الأمر والتكليف عاطفة الود والطمأنينة، والانسجام مع الكون كله في طاعة الرب، فلا تفكر في التهرب من الأمر، لأنها إنما تلبي حاجتها الفطرية في الاستسلام للرب الكريم، الذي بيده كل شيء، وتقف بين يديه، ولا تتجه لأحد سواه.