للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (١٥)} [فصلت: ١٥].

فهؤلاء العتاة الجبارون تودد إليهم هود - صلى الله عليه وسلم - وقال لهم: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢٧)} [الشعراء: ١٢٥ - ١٢٧].

فلما تبين له عنادهم وإصرارهم على الكفر، ومحادة الله ورسوله، والاستهتار بالوعيد، والجرأة على الله، وقف لهم هذه الوقفة الباهرة، لأنه مؤمن يعلم أن ربه معه، وهو الذي أرسله.

ويعلم أن أولئك الجبارين إنما هم من الدواب التي ما من دابة إلا وربه آخذ بناصيتها، فأنى تضره؟.

وماذا تملك هذه الدواب أمام قوة العزيز الجبار؟.

إن الله أهلكهم بما يحتاجون إليه، ولا يستغنون عنه لحظة، إنه الهواء الذي أرسله عليهم، فعاقبهم الله بريح شديدة، عقوبة تناسب قوتهم التي اغتروا بها. {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (١٦)} [فصلت: ١٦].

فدمرتهم وأهلكتهم فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم.

إن المؤمنين حقاً هم الذين يجدون حقيقة ربهم في نفوسهم، ويشعرون أنه معه، وأنهم يرونه وهو يراهم.

وبهذا الإحساس والشعور يملكون أن يقفوا بإيمانهم في استعلاء أمام قوى الجاهلية الطاغية من حولهم، أمام القوى المادية كلها: قوة المال .. وقوة الصناعة .. وقوة العلم البشري .. وقوة الأنظمة والأجهزة .. وقوة الخبرات والمخابرات.

يقفون أمام هذه القوى، ويرونها حقيرة ضعيفة هزيلة، وهم مستيقنون أن ربهم آخذ بناصية كل دابة، وأن الناس كل الناس وما صنعوا إن هم إلا دابة من الدواب المملوكة لله، بل كل ما في السموات والأرض عبيد لله لا يملكون

<<  <  ج: ص:  >  >>