للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من صفات الطائفة المنصورة]

هذه الطائفة المنصورة إنما ظهرت في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)، أي: على هذا الظهور والتمسك بما هم عليه من الحق، هذا الحديث استنبط منه أهل العلم معنى الطائفة المنصورة، قال الإمام أحمد بن حنبل ونعيم بن حماد شيخ الإمام البخاري وغيره من أهل العلم: إن لم تكن الطائفة المنصورة هم أهل العلم وأصحاب الحديث فلا ندري من هم.

قال البغدادي: وإنما استحقت هذه الطائفة أن تكون منصورة وأن يكون أولى الناس بها هم أهل الحديث لدوام قرع أسماعهم بقال الله وقال الرسول، ومعرفتهم بعلل الروايات، وتمييزهم بين صحيح الأقوال وضعيفها، ودعوة الناس بما صح من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ومعرفة هؤلاء بأقواله عليه الصلاة والسلام وأفعاله وتقريراته، وصفاته الخَلْقية والخُلُقية، فهم أدرى الناس بالنبي عليه الصلاة والسلام، وأعلم الناس بأحواله وأقواله وأفعاله، كما أنهم يحرصون على معرفة المصدر الأول وهو وحي السماء، كتاب الله عز وجل، فهم يدرسونه بعناية فائقة، ينفون عنه وعن سنة النبي عليه الصلاة والسلام تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يحمل هذا العلم -أي: علم السنة- من كل خلف عدوله) أي: من كل جيل أعدل الناس فيه، وفيه إشارة إلى أن من حمل العلم صار عدلاً.

وهذا مذهب الأحناف، خلافاً للجمهور.

على أي حال العلم شرف لأهله، ولذلك وردت آيات في كتاب الله عز وجل، وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وأقوال سلف الأمة تبين فضل العلم والعلماء، وأن أحداً لا يوازيهم ولا يضاهيهم في الفضل والعلم والفكر والفهم والعمل والعبادة، ولذلك نص أهل السنة والجماعة على ذلك في كتب أصيلة عظيمة من كتب الإسلام، وأن أهل السنة والجماعة إنما يعرفون بعلامات وسمات وأمارات، ولذلك قال سفيان لـ يوسف بن أسباط: يا يوسف! إذا سمعت برجل من أهل السنة بالمغرب فأرسل إليه السلام، وإذا سمعت برجل من أهل السنة في المشرق فأرسل إليه السلام، فأهل السنة جزء واحد كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (والمسلمون يسعى بذمتهم أدناهم) قال العلماء: المسلمون في هذا الحديث يعني بهم عليه الصلاة والسلام أهل السنة، (يسعى بذمتهم أدناهم)، (والمؤمنون في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد)، (والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)، وقال عليه الصلاة والسلام: (وكونوا عباد الله إخوانا)، وغير ذلك من الأدلة التي وردت في الكتاب والسنة تدل على أن أهل السنة والجماعة هم من كانوا على أصول ثابتة وقواعد عامة كلية في الشريعة والاعتقاد، وإن تباعدت أوطانهم، واختلفت ألوانهم وألسنتهم.

وهذه الفرقة الناجية ما سميت ناجية إلا لنجاتها من النار، وما نجت من النار إلا لتمسكها بسنة النبي المختار صلوات ربي وسلامه عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>