للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خطاب النبي للعقلاء في السنة]

وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام تجد نفس الخطاب، فعن علي وعمر رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (رفع القلم عن ثلاثة)، الحساب والجزاء والجنة والنار والثواب والعقاب إنما يرفع عن ثلاثة: (عن المجنون حتى يبرأ)، المجنون الذي لا عقل له حتى يبرأ من جنونه ومن مرضه العقلي؛ لأنه ليس من أهل التكليف، ولما كان العقل مناط التكليف عند الآدمي استلزم أن يكون له عقل.

(وعن النائم حتى يستيقظ)، لو أن إنساناً نام عن الظهر والعصر فلا حرج عليه، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا نام أحدكم عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها؛ فإن ذلك وقتها)، لم يؤثمه ولم يحرجه، بل يصلي ما فاته في نومه من صلاة النهار وإن كان في منتصف الليل وتعتبر أداء لا قضاء، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تفريط في النوم، إنما التفريط في اليقظة)، ينسب الإنسان للتفريط إذا فرط في جنب الله وهو مستيقظ متذكر، أما إذا كان التفريط في النوم فإنه ليس تفريطاً على الحقيقة، بل معفو عنه.

قال: (وعن الصبي حتى يحتلم) أي: عن الصغير حتى يبلغ ويكبر، كما جاء في رواية عائشة بلفظ: (وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر)، وفي رواية علي عند الترمذي وابن ماجه قال: (وعن الصبي حتى يشب)، أي: يصير شاباً.

(وعن المعتوه حتى يعقل).

وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه) المغلوب على عقله، (كل طلاق جائز)، أي: واقع لا محالة، إلا أن يقول مجنون لامرأته: أنت طالق.

فلا يقع طلاقه.

وأخرج أحمد من حديث أنس رضي الله عنه قال: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فوجد حبلاً ممدوداً بين ساريتين -أي: بين عمودين- فسأل عنه، فقالوا: هذا حبل اتخذته فلانة، فإذا أعيت تعلقت به)، أي: إذا تعبت من طول القيام في الصلاة تعلقت بهذا الحبل وهي قائمة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (خذوا الحبل، فليصل أحدكم ما عقل -أي: فليصل أحدكم ما دام عقله معه- فإذا غلبه النوم أو النعاس فلينم -وفي رواية: فليرقد-) وهذا في صلاة النافلة.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا تكلم بالكلمة أعادها ثلاثاً لتفهم عنه، وفي رواية: لتعقل عنه).

وقال ابن عمر رضي الله عنه: (أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي، فقام إلى ابن عمر رجل من الناس، فقال: يا أبا عبد الرحمن! أواجبة هي -يعني: أضحية العيد-؟ قال: قلت لك: إن النبي عليه الصلاة والسلام أقام في المدينة عشراً يضحي، قال: يا ابن عمر أواجبة هي؟ فغضب ابن عمر وقال: أتعقل عني، لقد قلت لك: إنه أقام عشر سنين بالمدينة يضحي)، يقول الترمذي راوي الحديث: وعلى هذا الحديث عمل أهل العلم: أن الأضحية سنة يستحب العمل بها لمن قدر عليها.

وأخرج أحمد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (يا أبا ذر اعقل عني)، يخاطب أبا ذر بأن يجمع عقله وفكره وتدبره ونظره، يعني: افهم عني ما أقول لك، واستوعبه بعقلك جيداً، قال: (لعناق يأتي رجلاً يوم القيامة خير له من مثل جبل أحد ذهباً تركه وراح، أعقلت يا أبا ذر؟)، يعني: ولد الناقة تقدمه في سبيل الله عز وجل ستلقاه يوم القيامة، (خير لك يا أبا ذر من مثل جبل أحد ذهباً تركته وراءك ولم تقدمه لله عز وجل).

ثم قال: (يا أبا ذر اعقل عني ما أقول لك: إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة)، الذين يستكثرون من جمع حطام الدنيا وأموالها ومتاعها هم في الحقيقة المحسورون يوم القيامة، الموقوفون المحاسبون الذين يتمنون أن لو كانوا فقراء في حياتهم كلها (إلا من قال به هكذا وهكذا)، أي: إلا من أنفق من ماله في كل واد وعلى كل محتاج على الأرامل والمساكين والأيتام والفقراء وطلاب العلم وغير ذلك من المحتاجين: (يا أبا ذر! اعقل عني ما أقول لك: إن الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة).

وكذلك أخرج أحمد في مسنده: (أن رجلاً أخذ بزمام ناقة النبي عليه الصلاة والسلام)، يعني: ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم واعترضه، ثم أمسك بلجام ناقته، وقال: (يا رسول الله! أخبرني بعمل يقربني إلى الجنة ويباعدني عن النار؟ فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: فاعقل إذاً أو افهم)، إذا كنت تسأل هذا السؤال فليس أحد إلا ودندنته هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>