للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رواية محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس في قصة الغرانيق]

وفي رواية محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس قالا: (جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناد من أندية قريش كثير أهلها، فتمنى يومئذ ألا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه) -يعني: النبي عليه الصلاة والسلام- يحابي المشركين، ويتمنى على الله ألا ينزل في هذا الموطن شيء يعيب آلتهم؛ لأن هذا أمر يؤذي المشركين، فيحابي المشركين على حساب غضب ربه وعلى حساب نزول وحيه! كلام عجيب وغريب، بل كلام في غاية النكارة والشذوذ، (فأنزل الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:١ - ٢]، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم:١٩ - ٢٠]، ألقى الشيطان عليه كلمتين: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى، فتكلم بها ثم مضى، حتى أتم السورة إلى آخرها، وآخرها سجدة، فلما سجد النبي عليه الصلاة والسلام سجد كل من كان في هذا الناد من مسلم ومشرك، ومعنى الناد، أي: المكان الذي يجتمع فيه الناس.

قالا: ورفع الوليد بن المغيرة تراباً إلى جبهته فسجد إليه، وكان شيخاً كبيراً كافراً، فمس التراب جبهته مخافة أن تنزل صاعقة من السماء فتجتاح الجميع، فخاف من ذلك، خاصة وأن الله تعالى بين في هذه السورة أنه أهلك عاداً الأولى وثمود فما أبقى، فخافوا ألا يسجدوا أن تنزل عليهم صاعقة من السماء فتهلكهم، فسجدوا جميعاً إلا الوليد بن المغيرة، رفع حصى أو تراباً، وقيل: كذلك فعل ابن أحيحة، ومنهم من يقول: بل الذي فعل ذلك فقط الوليد بن المغيرة، فلما بلغ الكلمتين اللتين ألقاهما الشيطان عليه قال -أي جبريل-: ما جئتك بهذا، اعرض علي.

قال: ما جئتك بهاتين، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: افتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل! فشق ذلك عليه، فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ} [الإسراء:٧٣] إلى قوله: {ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء:٧٥] فما زال مغموماً مهموماً حتى نزل قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى} [الحج:٥٢] الآيات، فسمع من كان من المهاجرين بأرض الحبشة أن أهل مكة قد أسلموا كلهم؛ لأنهم سجدوا فظنوا أن هذا السجود إسلام، خاصة أن الشيطان أوحى إليهم هذا حتى سار الخبر إلى أرض الحبشة، ففرح بذلك المهاجرون الأول الذين هاجروا إلى النجاشي في أرض الحبشة، وقالوا: إذا كان أهل مكة جميعاً أسلموا فما قيمة بقائنا في أرض الحبشة؟ فرجعوا إلى مكة، فإذا بالمشركين قد رجعوا إلى ما كانوا عليه من عناد وشرك وإلحاد وكفر، حيث رجع المهاجرة إلى عشائرهم وقالوا: هو أحب إلينا -أي: البقاء في مكة أحب إلينا من البقاء في الحبشة- فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله تعالى ما ألقى الشيطان.

وفي رواية: فلما سمعت قريش ذلك فرحوا، وسرهم وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم، فأصاغوا له -أي: فاستمعوا له بإنصات شديد- والمؤمنون يصدقون نبيهم فيما جاء به عن ربه، ولا يتهمونه على خطأ ولا وهم ولا زلل؛ لأنه معصوم من ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>