للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صفات الله تعالى كلها صفات كمال وجلال لا نقص فيها بوجه من الوجوه]

وأصل من الأصول: صفات الله تعالى كلها صفات كمال وجلال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، وصفاته سبحانه إما ذاتية كاليد والعين والساق والرجل والأصابع وغيرها، فكل هذا ثابت في الكتاب والسنة بأسانيد صحيحة، لكن لا مجال الآن لسردها، وقد سردناها في هذا المكان في دروس الاعتقاد مراراً وتكراراً، إيماناً منا بأن هذا الباب هو أعظم باب يمكن أن يهتم به المسلم.

كذلك من صفات الله صفات فعلية متعلقة بفعله سبحانه إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، منها الإتيان والمجيء والنزول والاستواء والغضب والضحك والرضا والسخط وغيرها، وصفاته كما قلنا متعلقة بأفعاله، وأفعاله لا منتهى لها سبحانه؛ ولذلك قال تعالى: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:٢٧]، وقال سبحانه: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣]، وقال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:٢٥٣]، وقال تعالى: {اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [آل عمران:٤٠].

حدثت مناظرة في زمن العباسيين.

قال أبو عبد الله الرباطي حضرت يوماً مجلس الأمير عبد الله بن طاهر أمير خراسان، وحضر هذا المجلس إسحاق بن راهويه من أهل السنة والجماعة، فسئل ابن راهويه عن حديث النزول أي: (أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا إذا انقضى ثلث الليل الأول، إذا بقي ثلث الليل الآخر) كما في روايتين فسئل عنه: أصحيح هو يا أبا يعقوب؟! قال: نعم.

قيل له: يا أبا يعقوب! أتزعم أن الله تعالى ينزل كل ليلة؟ قال: نعم.

قال: كيف ينزل؟ قال: أثبته أنت فوق أولاً حتى أثبت لك النزول، فقال له رجل: أثبته فوق، فقال له إسحاق: قال الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:٢٢]، قال الأمير عبد الله بن طاهر: هذا يوم القيامة، يعني: مجيء الله تعالى ثابت يوم القيامة، فقال إسحاق: أعز الله الأمير ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم؟ انظروا إلى هذا النور الإيماني الرباني الذي يزينه الله تعالى في قلوب عباده الصالحين! وعند الترمذي قال: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: اجتمعت الجهمية إلى عبد الله بن طاهر يوماً فقالوا له: أيها الأمير! إنك تقدم إسحاق - أي: ابن راهويه - وتكرمه وتعظمه، وهو كافر يزعم أن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ولا يخلو منه العرش.

وهذا محض افتراء؛ لأن إسحاق لم يقل بأن العرش يخلو من الرحمن، فغضب عبد الله بن طاهر، وبعث إلي، فدخلت وسلمت فلم يرد علي السلام، لأن هؤلاء الملاحدة قالوا: إنه كافر.

قال: ولم يستجلسني أي: ولم يأذن لي بالجلوس على عادة الجبابرة والظلمة أنهم لا يأذنون لأهل العلم والإيمان بالجلوس، ويدعونهم وقوفاً، ثم رفع عبد الله بن طاهر رأسه وقال لي: ويلك يا إسحاق! ما يقول هؤلاء؟ قال: قلت: لا أدري، قال: تزعم أن الله سبحانه وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا في كل ليلة ولا يخلو منه العرش؟ فقال: أيها الأمير! لست أنا قلته قاله النبي عليه الصلاة والسلام فيما حدثنا أبو بكر بن عياش عن إسحاق عن الأغر بن مسلم أنه قال: أشهد على أبي بكر وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ينزل الله إلى سماء الدنيا كل ليلة فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) إلى آخر الحديث، قال: فلما ذكرت له النبي عليه الصلاة والسلام وأنه قائل ذلك سكن غضبه، ثم قال لي: اجلس.

فجلست، فقلت: مرهم أيها الأمير! يناظروني، فقال الأمير لهؤلاء الجهمية: ناظروه.

فقلت لهم: يستطيع أن ينزل ولا يخلو منه العرش، أم لا يستطيع؟ قال: فسكتوا وأطرقوا رءوسهم، فقلت: أيها الأمير! مرهم أن يجيبوا، فسكتوا، فقال: ويحك يا إسحاق! ماذا سألتهم؟ قلت: أيها الأمير! قل لهم: هل يستطيع الله تعالى أن ينزل إلى السماء الدنيا ولا يخلو منه العرش أم لا؟ فقال: فأيش هذا يا أبا يعقوب؟! قلت: إن زعموا أن الله لا يستطيع أن ينزل إلا أن يخلو منه العرش فقد زعموا أن الله عاجز مثلي ومثلهم وقد كفروا، وإن زعموا أنه لا يستطيع أن ينزل ولا يخلو منه العرش فهو ينزل إلى السماء الدنيا كيف يشاء ولا يخلو منه المكان، فانقطعت حجة الجهمية وثبت نور الإيمان في هذا المجلس الذي تحرش لأهل الإيمان فيه أهل البدعة والضلال، وهكذا غير مناظرة في باب أسماء الله وصفاته، ولكن المقام لا يسمح بسردها.

<<  <  ج: ص:  >  >>