للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين عقد الأمان وعقد الذمة]

إن الفرق بين عقد الأمان وبين عقد الذمة يسير وهو: أن عقد الأمان على التوقيت، ولا ضريبة عليه -يعني: لا مال عليه- إلا إذا رأى ولي الأمر أن يضرب عليه في تجارته بعض الضرائب فله ذلك كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وأصالة عقد الأمان أو المستأمن مؤقت.

وأما عقد الذمة فهو على التأبيد، فمثال عقد الذمة أن يعيش رجل معك في قطرك أو في بلدك، ويأكل مما تأكل، ويشرب مما تشرب، ويدفع لك في كل عام مالاً، وهذا المال يسمى الجزية، كما قال تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:٢٩]، فبموجب هذه الجزية يجب حفظه، وحفظ عرضه، وحفظ ماله، والدفاع عنه، بل وتأديب من يتعدى عليه، وهذا يرجع لولي الأمر.

إذاً فعقد الذمة وعقد الأمان يستويان، والفرق أن عقد الذمة على التأدبيد بمال محدد، وأما عقد الأمان فليس على التأديب ولكنه على التوقيت، وبعض العلماء والفقهاء وقتوه بسنة، وبعضهم وقته بأقل من ذلك، وبعضهم وقته بأكثر من ذلك، والصحيح الراجح ما رجحه الشوكاني: أنه غير مؤقت؛ إذ الأدلة جاءت على الأمان مطلقة، والقاعدة عند العلماء: أن يبقى المطلق على إطلاقه حتى يأتي المقيد فيقيده، ويبقى العام على عمومه حتى يأتي المخصص فيخصصه، ولا تخصيص ولا مخصص ولا مقيد هنا، إذاً فهو على الإطلاق، فعقد الأمان يستوي مع عقد الذمة.

وإذا قلنا: بأن عقد الأمان يستوي مع عقد الذمة فموجب عقد الأمان هو موجب عقد الذمة، وقد بينه لنا علي بن أبي طالب في قاعدة تكتب بماء الذهب على الصدور، حتى يتبين للأغرار، وحتى يتبين للذين يجهلون دين الله جل في علاه، وحتى يتبين للذين يتسرعون فيأخذهم الحماس في أنهم يتعدون حدود الله جل في علاه، وحدود رسوله صلى الله عليه وسلم.

فـ علي بن أبي طالب يقول: إنهم ما بذلوا الجزية إلا لتصير أموالهم كأموالنا، وأعراضهم كأعراضنا، ودماؤهم كدمائنا.

إذاً فموجب المسألة أن تسوي بين المسلم وبين الذمي وبين المستأمن، والغرض المقصود: أنهما وإن كانا لا يستويان عند الله جل في علاه في الدين، لكن في الحرمة يستويان لقول الخليفة الراشد علي بن أبي طالب السابق، وهو من الخلفاء الراشدين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجد)، فـ علي بن أبي طالب قال: والله! ما بذلوا الجزية إلا لتصير أموالهم كأموالنا، وأعراضهم كأعراضنا، ودماؤهم كدمائنا.

وهما لا يستويان عند الله مثلاً أبداً، فإن المسلم يعلو ولا يعلى عليه، وشتان بين من سجد لله ذلاً وخضوعاً ومسكنة وبين من تكبر على الله جل في علاه وسب الله، لكن يستويان في الحرمة وهذا شرع الله جل في علاه، وهذه من حكمة الله، بل من رحمة الله بهم؛ حتى يوفَّوا حسناتهم في هذه الدنيا.