أصبح يتكلم العربية كأهلها، وقد حدثني بذلك عن نفسه في هذه الزيارة وكنت قد اجتمعت به قبل ذلك في المؤتمر الإسلامي المسيحي الذين انعقد في «بَحَمْدُونْ»(لبنان) عام ١٩٥٤.
وفي جامعة أكسفورد وجدنا رئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية فيها يَهُودِيًّا يتكلم العربية ببطء وصعوبة وكان أيضاً يعمل في دائرة الاستخبارات البريطانية في ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية، وهناك تعلم العربية العامية، وتلك هي مؤهلاته التي بَوَّأَتْهُ هذا القسم، ومن العجيب أني رأيت في منهاج دراساته التي يلقيها على طلاب الاستشراق: تفسير آيات من القرآن الكريم من " الكَشَّافِ " للزمخشري (إي والله وهو لا يحسن فهم عبارة بسيطة من جريدة عادية) ودراسة أحاديث من " البخاري " و" مسلم "، وأبواب من الفقه في أمهات كتب الحَنَفِيَّةِ والحنابلة، وسألته عن مراجع هذه الدراسات، فأخبرني أنها من كتب المُسْتَشْرِقِينَ أمثال: جولدتسيهر، ومرجليوث، وشَاخْتْ، وحسبك بهؤلاء عنواناً على الدراسات المدخولة المدسوسة المُوَجَّهَةِ ضد الإسلام والمُسْلِمِينَ.
أما جامعة كمبردج فكانت رئاسة قسم الدراسات العربية والإسلامية فيها للمستشرق المعروف «آربري» واختصاصه في اللغة العربية فحسب.
وقد قال لي - خلال أحاديثي معه -: «إِنَّنَا - نَحْنُ المُسْتَشْرِقِينَ - نَقْعَ فِيْ أَخْطَاءٍ كَثِيْرَةٍ فِيْ بُحُوثِنَا عَنْ الإِسْلاَمِ، وَمِنَ الوَاجِبِ أَنْ لاَ نَخُوضَ فِي هَذَا المَيْدَانِ لأَنَّكُمْ - أَنْتُمْ المُسْلِمِينَ العَرَبَ - أَقْدَرُ مِنَّا عَلَىَ الخَوْضِ فِي هَذِهِ الأَبْحَاثِ».
وفي مانشستر (إنكلترا) اجتمعت بالبروفسور «رُوبْسُونْ» وكان يقابل " سنن أبي داود " على نسخة مخطوطة، وله كتابات في تاريخ الحديث، يتفق فيها غالباً مع آراء المُسْتَشْرِقِينَ المُتَحَامِلِينَ، وقد حرصت على أن أُبَيِّنَ له أن الدراسات الاستشراقية السابقة فيها تَحَامُلٌ وَبُعْدٌ عَنْ الحَقِيقَةِ، وتعرضت لآراء جولدتسيهر وَأَثْبَتُُّّ له أخطاءه التاريخية والعلمية، فكان مِمَّا أجاب به عنه:«لاَ شَكَّ أَنَّ المُسْتَشْرِقِينَ فِي هَذَا العَصْرِ أَكْثَرَ إِطِّلاَعًا عَلَى المَصَادِرِ الإِسْلاَمِيَّةِ مِنْ جُوَلْدْتْسِيهِرْ نَظَرًا لِمَا طُبِعَ وَنُشِرَ وَعُرِفَ مِنْ مُؤَلَّفَاتٍ إِسْلامِيَّةٍ كَانَتْ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ فِي عَصْرِ جُوَلْدْتْسِيهِرْ»، فَقُلْتُ لَهُ: