للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«أرجو أن تكون أبحاثكم - المُسْتَشْرِقِينَ - في هذا العصر أقرب إلى الحق والإنصاف من جولدتسيهر، ومرجليوث، وأمثالهما، فقال: أرجو ذلك».

وفي جامعة «ليدن» بهولندا اجتمعتُ بالمستشرق اليهودي «شَاخْتْ» وهو الذي يحمل في عصرنا هذا رسالة «جولدتسيهر» في الدَسِّ على الإسلام والكيد له وتشويه حقائقه، وباحثته طويلا في أخطاء «جولدتسيهر» وتعمُّدِهِ تحريف النصوص التي ينقلها عن كتبنا، فأنكر ذلك أول الأمر، فضربت له مثلاً واحداً مِمَّا كتبه جولدتسيهر في تاريخ «السُنّة» - وهو ما نقلناه عنه في هذا الكتاب - وكيف حرَّفَ قول الزُّهْرِي: «إِنَّ هَؤُلاَءِ الأُمَرَاءِ أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ «الأَحَادِيثَ» إلى لفظ «عَلَى كِتَابَةِ أَحَادِيثَ» فاستغرب ذلك، ثم راجع كتاب جولدتسيهر - وكنا نجلس في مكتبته الخاصة - فقال: معك الحق أن جولدتسيهر أخطأ هنا، قلت له: هل هو مجرد خطأ؟ فاحتدَّ وقال: لماذا تسيئون به الظن؟ فانتقلت إلى بحث تحليله لموقف الزُّهْرِي من عبد الملك بن مروان، وذكرت له من الحقائق التاريخية ما ينفي ما زعمه جولدتسيهر - وقد ذكرت ذلك في هذا الكتاب - وبعد مناقشة في هذا الموضوع قال: وهذا خطأ أيضاً من جولدتسيهر، ألاَ يخطئ العلماء؟ قلتُ له: إن جولدتسيهر هو مؤسس المدرسة الاستشراقية التي تبني حُكمها في التشريع الإسلامي على وقائع التاريخ نفسه، فلماذا لم يستعمل مبدأه هنا حين تكلم عن الزُّهْرِي؟ وكيف جاز له أن يحكم على الزُّهْرِي بأنه وضع حديث فضل المسجد الأقصى إرضاء لعبد الملك ضد ابن الزبير، مع أن الزُّهْرِي لم يلق عبد الملك إلا بعد سبع سنوات من مقتل ابن الزبير؟ وهنا اصفرَّ وجه «شَاخْتْ» وأخذ يفرك يداً بيد. وبدا عليه الغيظ والاضطراب، فأنهيت الحديث معه بأن قلت له: لقد كانت مثل هذه «الأخطاء» كما تسميها أنت، تشتهر في القرن الماضي، ويتناقلها مستشرق منكم عن آخر على أنها حقائق علمية، قبل أن نقرأ - نحن المُسْلِمِينَ - تلك المؤلفات إلا بعد موت مؤلفيها، أما الآن فأرجو أن تسمعوا منا ملاحظاتنا على «أخطائكم» لتصحِّحُوها في حياتكم قبل أن تتقرر كحقائق علمية عندكم.

ومن الملاحظ أن هذا المستشرق كان يدرِّسُ في جامعة القاهرة - فؤاد سابقا -