خَامِساً - إن الدول الاستعمارية كبريطانيا وفرنسا ما تزال حريصة على توجيه الاستشراق وجهته التقليدية من كونه أداة هدم للإسلام وتشويه لسمعة المُسْلِمِينَ.
ففي فرنسا لا يزال «بْلاَشِيرْ»(*) وَ «مَاسِينْيُونْ»(**)(١) وهما شَيْخَا المُسْتَشْرِقِينَ الفِرَنْسِيِّينَ في وقتنا الحاضر يعملان في وزارة الخارجية الفرنسية كخبيرين في شؤون العرب والمُسْلِمِينَ.
وفي إنجلترا رأينا - كما ذكرت - أن الاستشراق له مكان محترم في جامعات لندن وأكسفورد وكمبردج وأدنبره وجلاسكو وغيرها، ويشرف عليه يهود وإنجليز استعماريون وَمُبَشِّرُونَ، وهم يحرصون على أن تظل مؤلفات جولدتسيهر ومرجليوث ثم شَاخْتْ من بعدهما، هي المراجع الأصلية لطلاب الاستشراق من الغَرْبِيِّينَ، وللراغبين في حمل شهادة الدكتوراه عندهم من العرب والمُسْلِمِينَ وهم لا يوافقون أبداً على رسالة لطلب الدكتوراه يكون موضوعها إنصاف الإسلام وكشف دسائس أولئك المُسْتَشْرِقِينَ.
وقد حدَّثنا الدكتور محمد أمين المصري - وهو خِرِّيج كلية أصول الدين في الأزهر وكلية الآداب ومعهد التربية في جامعة القاهرة - عما لقيه من عناء في سبيل موضوع رسالته التي أراد أن يتقدم بها لأخذ شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعات إنجلترا.
لقد ذهب إليها (في عام ١٩٥٨ م) لدراسة الفلسفة وأخذ شهادة الدكتوراه بها، وما كاد يطلع على برامج الدراسة - وخاصة دراسة العلوم الإسلامية فيها - حتى هاله ما رآه من تحامل ودَسٍّ في كتب المُسْتَشْرِقِينَ، وخاصة «شَاخْتْ» فقرر أن يكون موضوع رسالته هو نقد كتاب شَاخْتْ.
تقدم إلى البروفسور «أَنْدِرْسُونْ» ليكون مشرفاً على تحضير هذه الرسالة
(١) كان هذا وقت الطبعة الأولى التي كتب المؤلف - رَحِمَهُ اللهُ - هذه المقدمة لها، أما الآن فماسينيون في عداد الأموات منذ سنوات.