للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقول مستعينا بالله- قوله أنها ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر يلزم منه أن الله عزّ وجلّ أنزل إباحتها، ثم نسخ ذلك.

ومتى أحلّ الله عزّ وجلّ شرب الخمر؟! وإنما كانوا مسكوتا عنهم في شربها جارون على عادتهم «١»، ثم نزل التحريم، كما سكت عنهم في غيرها من المحرّمات إلى وقت التحريم.

وهذه الآية، وما ذكر من الآيات: الكل في التحريم «٢»، كما جاء تحريم الميتة في (غير) «٣» آية «٤».

وقوله: إن الله عزّ وجلّ أخبرنا أن في الخمر إثما، وأخبرنا أن الإثم محرّم ...

إلى قوله: فهي محرّمة بالنص الظاهر الذي لا إشكال فيه: كلام لا وجه له لأن الإثم هو الذنب، وإذا كان الذنب كبيرا أو كثيرا في ارتكاب شيء لم يجز ارتكابه، فكيف يسمعون قوله عزّ وجلّ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ثم يقدمون عليهما مع التصريح بالخسران، إذا كان الإثم أكبر من النفع؟، بل هذا «٥» كاف في التحريم.

وقوله: فأخبر أن في شرب الخمر إثما، ونص على أن الإثم محرّم بقوله:

وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ: لا حاصل له، لأنه إن أراد أن الخمر هي الإثم، فكيف يقول:

فنصّ على أن الإثم محرم، وأخبر أن في شرب الخمر إثما، فكيف يكون هي الإثم المحرّم على هذا؟! وإن أراد بالإثم: الذنب، لم يحتج إلى شيء آخر «٦».


(١) وسبق تقرير هذا مرارا. انظر ص: ٥٩٤.
(٢) أي وهكذا كل الآيات التي جاءت في شأن الخمر تدل على التحريم، وليس فيها ما يدل على التحليل حتى تنسخ بالتحريم بعد ذلك وسيأتي- بإذن الله- مزيد بيان لهذا قريبا.
(٣) ساقطة من الأصل كلمة (غير).
(٤) كقوله تعالى: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ .. الآية ١٧٣ من سورة البقرة.
وانظر: آية ٣ من سورة المائدة وآية ١٤٥ من سورة الأنعام وآية ١١٥ من النحل.
(٥) لفظ (هذا) مكرر في الأصل.
(٦) وأوضح، من هذا ما ذكره الإمام الطبري عند تأويل قوله تعالى وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما قال: يعني بذلك عز ذكره: والإثم بشرب الخمر هذه، والقمار هذا: أعظم وأكبر مضرة عليهم من النفع الذي يتناولون بهما، وإنما كان ذلك كذلك، لأنهم كانوا إذا سكروا وثب بعضهم على بعض، وقاتل بعضهم بعضا، وإذا ياسروا وقع بينهم فيه بسببه الشر، فأداهم ذلك إلى ما يأثمون به، ونزلت هذه الآية في الخمر قبل أن يصرح بتحريمها، فأضاف الإثم جل ثناؤه إليها وإنما الإثم بأسبابهما إذ كان عن

<<  <  ج: ص:  >  >>