للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٣ - الترادف والفروق]

[- معنى الترادف:]

لعلّ من المفيد في مستهل هذه الفقرة أن نلجأ إلى المعجم العربي، لنبيّن الأصل اللغوي لمصطلح «الترادف»، وليتبدّى لنا ما في خصائصه الكامنة من صفات، تظلّ ثابتة في استعمال فقهاء اللغة.

فالفعل «ردف» ردفا ركب خلفه، ويعني: تبعه أيضا، ومنه الفعل المزيد بالهمزة في أوله، فالفعل «أردف»، يعني توالى وتتابع، ومنه قوله تعالى عن العون السماوي في غزوة «بدر» المشرقة: فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ «١» أي متتابعين، يلحق بعضهم بعضا، وفي سورة النمل قال عز وجل: قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ «٢» أي قرب، وفي المعجم الوسيط: «أردف فلان فلانا ركب خلفه، ورادفت الدابّة:

قبلت الرّديف، وقويت على حمله، فالرّديف: الراكب خلف الراكب» «٣».

وفي القرآن الكريم- وهو المنهل الأول لصحة الاستعمال اللغوي- إشارة إلى معنى المرادف، ففي الحديث عن طواعية الكون للخالق يوم القيامة يقول عزّ وجلّ: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ «٤»، وهي النفخة الثانية لدى جميع المفسّرين «٥».

فالرديف ليس الراكب الأصلي، والعذاب الذي ردف أي اقترب بعض من العذاب الكلي بعد الموت، والرّجفة الثانية- حتما- ليست الأولى، وكون


(١) سورة الأنفال، الآية: ٩.
(٢) سورة النّمل، الآية: ٧٢.
(٣) مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، دار التراث العربي، بيروت، بلا تاريخ:
١/ ٣٣٩.
(٤) سورة النازعات، الآية: ٧.
(٥) انظر مثلا ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن العظيم، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، بلا تاريخ، ٤/ ٤٦٦.

<<  <   >  >>