للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليتضح الأمر في قصص د. علي جمعة ننقل بعض ما رواه الشيخ محمد رشيد رضا في مجلة المنار التي كانت تصدر في أوائل القرن الماضي، وهو رجل حديث عهد فيما يرويه بعهد الخديوي إسماعيل، فيروي الشيخ محمد رشيد رضا عن أحد كبار القضاة الشرعيين قوله: (كان من غرض إسماعيل باشا إرضاء أوربا بتقليدها في كل شيء، حتى في إبطال بعض الأحكام الشرعية الإسلامية؛ كإباحة تعدد الزوجات المنتقدة عندهم، وتحويل الشريعة إلى قوانينهم، وأنه كان يقول: لا يمكن أن تعمل الأمة في هذا القرن بما وضع للعرب من نحو ثلاثة عشر قرنًا تقريبًا، ولهذا لم يكن للعلماء إجابة طلبه) ثم يعلق رشيد رضا على رواية هذا القاضي الشرعي بقوله: (ولا بُعد في هذه الأقوال عند العارفين بحال هؤلاء الأمراء، وبُعدهم عن الدين، وكأن ذلك الأمير المستبد الجاهل كان يرى أن قانون الكرباج الذي وضعه محمد علي وأفسد به بأس الأمة، ونزع منها هو ومن بعده روح الشهامة والشجاعة، أفضل من الشرع الإلهي الذي ارتقى بالأمة العربية إلى السيادة على جميع الأمم) (١).

ويحكي الشيخ محمد رشيد رضا حال مصر في عهد الخديوي إسماعيل بقوله: (لما هاجر السيد جمال الدين حكيم الشرق وموقظه إلى هذه البلاد رأى من استبداد إسماعيل باشا الخديوي الأسبق ما يزيد على ما كان في أوربا من الاستبداد، ورأى أن الجمعية الماسونية تجر هذه البلاد إلى أوربا بخيوط سياسية خفية؛ ولكنها متينة قوية، فهي كالخيوط التي يربط بها المشعوذ التماثيل التي يلعب بها وراء الستار فيحسب الصبيان أنها هي التي تلعب بنفسها، وكذلك كانت مصر ألعوبة في أيدي الأوربيين) (٢) ويقول كذلك: (بدء هذا الفساد الديني الأخلاقي في عهد إسماعيل باشا أي قبل الاحتلال البريطاني، فكان ممهدًا لكل ما فعله رجاله من مقاومة التعليم الديني على ضعفه في مدارس الحكومة، ومن حرية


(١) مجلة المنار، عدد ١٦ ربيع الآخر، سنة ١٣٢٢هـ.
(٢) مجلة المنار، عدد ١ ربيع الأول، سنة ١٣٢١هـ.

<<  <   >  >>