للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الإمام فخر الدين الرازى رحمه الله (١):

وحاصل قول أبى مسلم أن ذلك التكليف كان مقدرا بغاية مخصوصة، فوجب انتهاؤه عند الانتهاء إلى الغاية المخصوصة، فلا يكون هذا نسخا ... وهذا كلام حسن لا بأس به.

والحق أن ما قاله أبو مسلم كلام طيب للغاية فالأفضل التوفيق بين الآيتين به، ولا يصح الاعتراض عليه بأن الذى تصدق هو الإمام على كرم الله وجهه وحده دون بقية الصحابة، فكيف تقول: إن هذه الصدقة قد شرعت للتمييز؟ لأنا نقول لا نرى فى عدم فعل الصحابة طعنا ولا شيئا يعيبهم. بل إنهم فهموا أن شرعية هذا الحكم قصد منها الحد من المناجاة الكثيرة فيضيع وقته صلى الله عليه وسلم.

قال صاحب تفسير آيات الأحكام (٢):

« ... ولو أن الصحابة فهموا أن المقصود التوسل بالمناجاة لتكون بابا من أبواب الصدقة ما تأخروا، فمنهم من نزل عن جميع ماله، ومنهم من كان يريد أن يتصدق بالثلثين لأنه لا يرثه إلا ابنة واحدة، وما دام المقصود القصد من المناجاة التى تشغل الرسول صلى الله عليه وسلم فليحرصوا على القصد، على أنهم وجدوا فى قوله تعالى:

فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فسخه فمن ذا كانت دراهمه ودنانيره حاضرة معه فى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يتصدق بها، أو يقال إنه لم يمتثل الأمر؟

على أن هناك من العلماء من قال: إن الأمر بتقديم الصدقة عند المناجاة للندب والاستحباب، وليس للوجوب وذلك لأن الله تعالى قال:

ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ومثل هذا يعتبر قرينة تصرف الأمر عن


(١) تفسير الفخر الرازى ٢٩/ ٢٧٢.
(٢). ٤/ ١٣٢.

<<  <   >  >>