للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان هذا ليس بمشروع في موضع قدميه للصلاة، فكيف بالنعل الذي هو موضع قدميه للمشي وغيره؟ هذا إذا كان النعل صحيحا، فكيف بما لا يعلم صحته، أو بما يعلم أنه مكذوب: كحجارة كثيرة يأخذها الكذابون وينحتون فيها موضع قدم، ويزعمون عند الجهال أن هذا الموضع قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان هذا غير مشروع في موضع قدميه، وقدمي إبراهيم الخليل، الذي لا شك فيه، ونحن مع هذا قد أمرنا أن نتخذه مصلى، فكيف بما يقال إنه موضع قدميه، كذبا وافتراء عليه كالموضع الذي بصخرة بيت المقدس، وغير ذلك من المقامات.

فإن قيل فقد أمر الله أن نتخذ من مقام إبراهيم مصلى، فيقاس عليه غيره. قيل له: هذا الحكم خاص بمقام إبراهيم الذي بمكة، سواء أريد به المقام الذي عند الكعبة موضع قيام إبراهيم، أو أريد به المشاعر: عرفة ومزدلفة ومنى، فلا نزاع بين المسلمين أن المشاعر خصت من العبادات بما لا يشركها فيه سائر البقاع، كما خص البيت بالطواف. فما خصت به تلك البقاع لا يقاس به غيرها. وما لم يشرع فيها فأولى أن لا يشرع في غيرها ونحن استدللنا على أن ما لم يشرع هناك من التقبيل، والاستلام أولى أن لا يشرع في غيرها، ولا يلزم أن يشرع في غير تلك البقاع مثل ما شرع فيها. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية– ٢/ ٨٠٣

ج- حكم التبرك بأثر قدم الرسول صلى الله عليه وسلم:

ذلك أنه يوجد في بعض البلدان ما يسمى (أثر موطئ قدم الرسول صلى الله عليه وسلم) وهو عبارة عن حجارة عليها أثر قدم، يزعم بعض الناس أنها قدم الرسول صلى الله عليه وسلم, فيتبركون بها مسحاً وتقبيلاً ومشاهدة، وغير ذلك، كالدعاء عندها، ونحوه، وقد ينشئون الزيارة لأجل ذلك.

والكلام على بطلان ذلك من وجهين:

الوجه الأول: أن ما يدعى وجوده من آثار قدمه الشريفة عليه الصلاة والسلام غير صحيح؛ لعدة أسباب, منها ما يأتي:

١ - عدم وجود ما يثبت صحة شيء من ذلك، فليس هناك أدلة معتبرة يعتمد عليها، وإنما الأمر مجرد إشاعات فقط في البداية، اكتسبت الشهرة بعد ذلك، خصوصاً عند العوام.

٢ - نص المحققون من العلماء والحفاظ على إنكار صحة آثار القدم النبوية على الأحجار (١).

وإن من علامات زيف آثار القدم ما قرره صاحب كتاب (الآثار النبوية) حين قابل بين المعروف من تلك الآثار، حيث قال: (المعروف الآن من هذه الأحجار سبعة: أربعة منها بمصر، وواحد بقبة الصخرة ببيت المقدس، وواحد بالقسطنطينية، وواحد بالطائف، وهي حجارة سوداء، إلى الزرقة في الغالب، عليها آثار أقدام متباينة في الصورة والقدم، لا يشبه الواحد منها الآخر) (٢).

٣ - أن ما استفاض واشتهر خصوصاً على ألسنة الشعراء والمداح من تأثير قدمه صلى الله عليه وسلم في الصخر إذا وطئ عليه لا أصل له، فهو كذب مختلق (٣).

الوجه الثاني: لو صح وجود شيء من آثار قدم الرسول صلى الله عليه وسلم افتراضاً، فإنه لا يجوز التبرك به على وجه من الوجوه، لما يأتي:

١ - ما تقدم تقريره والاستدلال عليه. .. من عدم مشروعية التبرك بالمواضع التي جلس أو صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأثر القدم جزء من هذه المواضع، ولذا لم يتبرك به السلف الصالح رحمهم الله تعالى.


(١) أورد المؤلف أحمد تيمور باشا صاحب كتاب ((الآثار النبوية)) جملة من أسماء هؤلاء العلماء. انظر كتابه هذا (ص: ٦٨، ٦٩)، وراجع ((الاقتضاء)) (٢/ ٨٠٠)، و ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (٢٧/ ١٣).
(٢) ((الآثار النبوية)) لأحمد تيمور باشا (ص: ٥٣).
(٣) انظر كتاب ((فتح المتعال في مدح النعال)) للمقري (ص: ٣٤٩، ٣٥١)، وكتاب ((الآثار النبوية)) (ص: ٥٣، ٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>