للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى الإمام أحمد عن بريدة قال: ((دخلت على معاوية، فإذا رجل يتكلم، فقال بريدة: يا معاوية، أتأذن لي في الكلام؟ فقال: نعم، وهو يرى أنه سيتكلم بمثل ما قال الآخر، فقال بريدة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني لأرجو أن أشفع يوم القيامة عدد ما على الأرض من شجرة أو مدرة قال: أفترجوها أنت يا معاوية ولا يرجوها علي بن أبي طالب رضي الله عنه)) (١).

ولكن في سند الحديث أبو إسرائيل الملائي، وهو ضعيف، قال الهيثمي بعد أن أورد الحديث عن أحمد, قال: (ورجاله وثقوا على ضعف كثير في أبي إسرائيل الملائي) (٢).

وأورد الهيثمي حديثاً عن بريدة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كثير الحجر والشجر، ثلاث مرات. قلنا: نعم. قال: والذي نفسي بيده، لشفاعتي أكثر من الحجر والشجر)) (٣)، قال الهيثمي: وفيه سهل بن عبد الله بن بريدة وهو ضعيف (٤).

٥ - الشفاعة لمن مات في أحد الحرمين:

وهذه الشفاعة لم أجد فيها حديثا صحيحا، ويستدل من يقول بها بما روي عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من مات في أحد الحرمين استوجب شفاعتي، وكان يوم القيامة من الآمنين)) (٥).

وهذا الحديث لا يتم الاستدلال به كذلك على ثبوت هذه الشفاعة؛ لأن في سنده عبد الغفور بن سعيد، وهو متروك كما يذكر الهيثمي (٦).

أما من مات بالمدينة فقد تقدم الكلام فيه.

٦ - ومن الأسباب الأخرى في الشفاعات غير الثابتة:

ما جاء عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا شفيع لكل رجلين تآخيا في الله من مبعثي إلى يوم القيامة)) (٧).

والحديث ضعيف، لأن في سنده عمرو بن خالد الكوفي، وهو أبو خالد الواسطي، وهو كذاب كما قال عنه وكيع، وقال ابن حجر: إنه متروك (٨).

والتآخي في الله أمر مطلوب، وقد حث عليه الشرع ورغب فيه، والمؤمنون يشفع بعضهم في بعض، كما صرحت بذلك النصوص النبوية، لكن القول بأن التآخي مما يوجب الشفاعة؛ هو الذي يتوقف القول به على ثبوت صحته.

٧ - ومنها كذلك ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة أنا شفيع لهم يوم القيامة: الضارب بسيفه أمام ذريتي، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه)) (٩).

ومن تأمل القصد من وراء هذا الحديث، يرى أن وضع الشيعة ظاهر عليه.

والحديث غير ثابت، لأن في سنده داود بن سليمان الجرجاني، وهو مجهول.

قال فيه ابن أبي حاتم: (داود بن سليمان الجرجاني. سمعت أبي يقول: هو مجهول) (١٠).


(١) رواه أحمد (٥/ ٣٤٧) (٢٢٩٩٣)، والخطيب في ((تاريخ بغداد)) (١٢/ ٣٢٩)، والديلمي (١/ ٦٠) (١٧١). قال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (٥/ ٢٨٨): إسناده حسن.
(٢) ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٣٨١).
(٣) رواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (٤/ ٢٤٦) (٤١٠٠).
(٤) ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٣٨١).
(٥) رواه الطبراني (٦/ ٢٤٠) (٦١٠٤)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (٣/ ٤٩٦). قال ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (٢/ ٦٠٠): لا يصح والمتهم به عبد العزيز الواسطي، قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٢/ ٣٢٢): فيه عبد الغفور بن سعيد وهو متروك.
(٦) ((مجمع الزوائد)) (٢/ ٣٢٢).
(٧) رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (١/ ٣٦٨)، والديلمي (١/ ٤٩) (١٢٧). قال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)) (١٧٢٣): موضوع.
(٨) ((تقريب التهذيب)) (٢/ ٦٩).
(٩) ((عزاه في الشفاعة)) (ص: ٢٥٣) إلى أبي طالب في ((الأمالي)).
(١٠) ((الجرح والتعديل)) (٣/ ٤١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>