للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول ابن الوزير – رحمه الله -: (وكذلك لا خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم ضرورة للجميع، وتستر باسم التأويل فيما لا يمكن تأويله كالملاحدة في تأويل جميع الأسماء الحسنى بل جميع القرآن والشرائع والمعاد الأخروي من البعث والقيامة والجنة والنار، وإنما يقع الإشكال في تكفير من قام بأركان الإسلام الخمسة المنصوص على إسلام من قام بها إذا خالف المعلوم ضرورة للبعض أو للأكثر لا المعلوم له، وتأول وعلمنا من قرائن أحواله أنه ما قصد التكذيب أو التبس ذلك علينا في حقه وأظهر التدين والتصديق بجميع الأنبياء والكتب الربانية مع الخطأ الفاحش في الاعتقاد، ومضاده الأدلة الجلية، ولكن لم يبلغ مرتبة الزنادقة المقدمة) (١).

ويقول أيضاً: ( ... أما من كذب اللفظ المنزل أو جحده، كفر متى كان ممن يعلم بالضرورة أنه يعلمه بالضرورة، وإنما الكلام في طوائف الإسلام الذين وافقوا على الإيمان بالتنزيل، وخالفوا في التأويل فهؤلاء لا يكفر منهم إلا من تأويله تكذيب، ولكن سماه تأويلاً مخادعة للمسلمين ومكيدة للدين كالقرامطة الذين أنكروا وصف الله تعالى بكونه موجوداً وعالماً وقادراً ونحو ذلك من الصفات التي علم الكافة بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بها على ظاهرها) (٢)، وقال الملا القاري الحنفي: (وأما من يؤول النصوص الواردة في حشر الأجساد، وحدوث العالم، وعلم الباري بالجزئيات فإنه يكف لما علم قطعاً من الدين أنها على ظواهرها بخلاف ما ورد في عدم خلود أهل الكبائر في النار لتعارض الأدلة في حقهم) (٣)، وذكر الإمام ابن حزم رحمه الله أمثلة كثيرة لبعض الطوائف الغالية المنسوبة إلى الإسلام، وبعض ضلالاتها فقال: (وقد تسمى باسم الإسلام من أجمع جميع فرق الإسلام على أنه ليس مسلماً، مثل طوائف من الخوارج غلوا فقال: إن الصلاة ركعة بالغداة، وركعة بالعشي فقط، وقالوا: إن سورة يوسف ليست من القرآن، وطوائف كانوا من المعتزلة ثم غلوا فقالوا بتناسخ الأرواح، وآخرون قالوا: إن النبوة تكتسب بالعمل الصالح، وآخرون قالوا قد يكون في الصالحين من هو أفضل من الأنبياء، وأن من عرف الله حق معرفته فقد سقطت عنهم الأعمال والشرائع وقال بعضهم بحلول الباري تعالى في أجسام خلقه كالحلاج وغيره) (٤). نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي– ٢/ ٢٢٠

حكم المتأول من حيث العموم هو حكم الجاهل. بل قد يكون المتأول في بعض أحواله أولى بالإعذار من الجاهل. لأن الجاهل من حيث الأصل جاهل بالحق فقط. وأما المتأول فهو مع جهله بالحق يدعي أن ما هو عليه هو الحق. فالجاهل قد تكون مخالفته في الظاهر بكفر أو ما دونه من غير قصد إلى ذلك فقط. وأما المتأول فهو مع مخالفته الظاهرة وعدم قصده إلى المخالفة يدعي أنه على الحق. وبهذا نعلم أن من كان جهله لعدم العلم يكفي في قيام الحجة عليه مجرد بلوغ الحجة، وأما من كان جهله لعدم العلم يكفي في قيام الحجة عليه مجرد بلوغ الحجة، وأما من كان جهله مع ادعاء أنه في مخالفته على حق، فإنه قد لا يكفي في قيام الحجة عليه مجرد بلوغ الحجة، بل لابد مع ذلك من إزالة شبهته.

... وأما من كان جهله مع وجود شبهة وتأول، فإنه ولو بلغته الحجة مع تمكن الشبهة منه قد يكون معذوراً إذا لم يلتزم بمقتضى الحجة.


(١) ((إيثار الحق)) (ص: ٤١٥).
(٢) ((العواصم والقواصم)) (٤/ ١٧٦).
(٣) ((شرح الفقه الأكبر)) (ص: ٦٩)، وانظر ((فيصل التفرقة))، للغزالي (ص: ١٤٧)، و ((الاقتصاد في الاعتقاد)) (ص: ١٥٦ – ١٦٠).
(٤) ((الفصل)) (٢/ ١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>