أما المناقشات الفقهية فإن ابن كثير يذكر أقوال العلماء وأدلتهم عند ما يشرح آية من آيات الأحكام، وإن شئت أن ترى مثالا لذلك فارجع إليه عند تفسيره لقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: ١٨٥] فإنه ذكر أربع مسائل تتعلق بهذه الآية، وذكر أقوال العلماء فيها، وأدلتهم على ما ذهبوا إليه. وهكذا سائر الآيات كآيات الطلاق والمواريث ... إلخ.
وبالجملة، فإن هذا التفسير من خير كتب التفسير بالمأثور وقد شهد له بعض العلماء، فقال السيوطي في ذيل تذكرة الحفاظ، والزرقاني في شرح المواهب: إنه لم يؤلف على نمطه مثله (١).
[٦ - الثعالبي:( ... - ٨٧٦ هـ).]
مؤلف الجواهر الحسان في تفسير القرآن، هو أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف، الثعالبي، الجزائري، المغربي، المالكي، العالم العامل، الزاهد الورع، ولي الله الصالح العارف بالله، كان من أولياء الله المعرضين عن الدنيا وأهلها، ومن خيار عباد الله الصالحين قال ابن سلامة البكري: كان شيخنا الثعالبي رجلا صالحا، زاهدا عالما، عارفا، وليا من أكابر الأولياء، وبالجملة فقد اتفق الناس على صلاحه وإمامته، وأثنى عليه جماعة من شيوخه بالعلم والدين والصلاح، كالإمام الأبيّ، والولي العراقي، وغيرهما. وقد عرّف هو بنفسه في مواضع من كتبه، وبيّن أنه رحل من الجزائر لطلب العلم في آخر القرن الثامن، فدخل بجاية ثم تونس، ثم رحل إلى مصر ثم رجع إلى تونس، ويقول هو: لم يكن بتونس يومئذ من يفوتني في علم الحديث، إذا تكلمت أنصتوا وقبلوا ما أرويه، تواضعا منهم وإنصافا، واعترافا بالحق، وكان بعض المغاربة يقول لي لما قدمت من المشرق: أنت آية في علم الحديث، وذكر كل شيوخه الذين سمع منهم في تلك البلاد.
وكان إماما علامة مصنفا، خلف للناس كتبا كثيرة نافعة، منها: الجواهر الحسان في تفسير القرآن، وكتاب الذهب الإبريز في غرائب القرآن العزيز، وتحفة الإخوان في