(المنزل من القرآن أربعة أقسام، مكي ومدني وما بعضه مكي وبعضه مدني، وما ليس بمكي ولا مدني)، أي لم ينزل في مكة ولا في المدينة.
ولا يخفى عليك أن هذا التقسيم غير حاصر ولا ضابط ولا مطرد فهو مخل بالمقصود.
أما التقسيم الذي نظر فيه إلى توجيه الخطاب، فما وجّه فيه الخطاب لأهل مكة فهو مكي، وما وجّه فيه الخطاب لأهل المدينة فهو مدني، فهو أيضا غير شامل ولا حاصر لجميع الآيات القرآنية، إذ من الآيات ما لم يرد فيها خطاب لأهل مكة ولا لأهل المدينة، كالآيات التي خاطبت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وحده، بل من الآيات لم يرد بها الخطاب لأحد من هؤلاء جميعا، كآيات القصص والأخبار، فماذا يمكن أن يقال عن مثل هذه الآيات؟! بل ماذا يقال عن الآيات التي نزلت بعد أن عمّ نور الإسلام المدينة ومكة معا، وأصبح الخطاب موجها للجميع دون استثناء، بل موجها لجميع الخلق بإنسها وجنّها.
ويبقى القول الأول هو الصحيح الذي لا محيص عنه لضبطه وحصره وشموله لجميع القرآن، وقد ورد النص الصريح عن الصحابة في اعتبار هذا الرأي، فقد قالوا عن سورة النصر: إنها مدنية، وقالوا عن آية المائدة السابقة الذكر: إنها مدنية كذلك، وهذا القول ينسجم والتقسيم الأول.
هذا هو الاصطلاح المعتمد عند جمهور المفسرين وبذلك وافقوا أقوال الصحابة أن سورة الفتح وآية المائدة الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ مدنية كذلك لنزولهما بعد الهجرة، وإن هما نزلتا في مكة، وقالوا: إن آيات فرض الصلاة مكية، وإن نزلت في السموات لنزولها قبل الهجرة.
[الطريق لمعرفة المكي والمدني:]
يقول الباقلاني:(إنما يرجع في معرفة المكي والمدني لحفظ الصحابة والتابعين إذا لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك قول لأنه لم يؤمر به)(١).