للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن الله يعد أصحاب الشجرة في هذه الآية بمغيَّبات عدة، منها الوعد بفتحٍ قريب ومغانمَ كثيرةٍ فيه {وأثابهم فتحاً قريباً - ومغانم كثيرة يأخذونها} (الفتح: ١٨ - ١٩).

قال الطبري: "وأثاب الله هؤلاء الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة - مع ما أكرمهم به من رضاهُ عنهم وإنزالِه السكينة عليهم وإثابتِه إياهم – فتحاً قريباً، معه مغانمُ كثيرةٌ يأخذونها من أموال يهود خيبر، فإن الله جعل ذلك خاصة لأهل بيعة الرضوان دون غيرهم". (١)

والتنبؤ بفتح خيبر لم يكن تنبؤاً بأمر ميسور قريب النوال، بل هو أمر دونه خرط القتاد؛ فإن خيبر حصون منيعة، وفيها عشرة آلاف من المقاتلين الشجعان، أي ما يساوي سبع مرات عدد المسلمين القادمين لفتحها، لكنه موعود الله.

وما إن لاحت بالأفق حصونها حتى قال - صلى الله عليه وسلم -: ((خرِبت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم {فساء صباح المنذرين} (الصافات: ١٧٧)، قال أنس: فهزمهم الله)). (٢)

قال أبو القاسم الأصبهاني: "وفيه من دلالة النبوة أنه كان كما قال، خرِبت خيبر بعد نزوله - صلى الله عليه وسلم - بساحتهم". (٣)

وكما أخبر عن فتح خيبر فإنه تحدث عن جلاء اليهود منها، وقد وقع ذلك زمن خلافة عمر - رضي الله عنه -، فقد اعتدى بعض أهل خيبر على عبد الله بن عمر؛ فقام عمر خطيباً فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: ((نقِرُّكم ما أقرَّكم الله))، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك، فعُدي عليه من الليل، ففُدِعت يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، هم عدونا وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم.

فلما أجمع عمر على ذلك؛ أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين، أتخرجنا وقد أقرنا محمد، وعاملنا على الأموال، وشرَطَ ذلك لنا؟

فقال عمر: أظننتَ أني نسيتُ قول رسول الله: ((كيف بك إذا أُخرجت من خيبر تعدو بك قَلوصُك ليلةً بعد ليلة؟)) فقال: كانت هذه هُزَيلة [مزاحاً] من أبي القاسم.


(١) جامع البيان (١١/ ٣٤٧).
(٢) رواه مسلم ح (٣٣٦١).
(٣) دلائل النبوة (٣/ ٩٥٢).

<<  <   >  >>