فإن قيل: لعله ثبت عنده تعديل الراوي عن بعض الثقات الذين خَبَروه من أهل عصره.
قلت: هذا قد يقع وقد يُحتَمل ولكن في بعض الأفراد، فأما احتماله في جميع الموثقين فكلّا، بل من سَبَر هذا الفنّ عَلِم أنّ الأئمة كثيرًا ما يوثقون مِن عندهم بدون نقل، ولو كان هناك نقل لكان الأولى بالموثِّق أن يذكره.
ومع ذلك فهب أنه كان عند الموثّق نقل بذلك، فهذا النقل يحتاج إلى معرفة رواته، وإذا لم يُسمّهم الموثّق كان إطلاقه التوثيق بمنزلة إرساله الحديث، وأكبر أمْرِه أن يكون بمنزلة قوله:"حدثني الثقة عن الثقة". وقد قالوا: إن الحديث لا يثبت بذلك فكذلك التعديل، فلو صرّح به فقال: أخبرني ثقة عن ثقة عن ثقة: أنّ فلانًا كان عدلًا، هل تثبت العدالةُ بهذا؟ (١).
(١) ذكر المؤلف هذه الإشكالات ولم يجب عنها هنا، لكنه أجاب عنها في آخر رسالة "الاستبصار في نقد الأخبار- ضمن هذا المجموع" (ص ٥٩ - ٦٢) فلتراجع. وقد ذكرتُ ذلك وما يمكن أن يُجاب به عن بعض هذه الأسئلة في المقدمة (ص ١٣ - ١٤).