على أنه بعد أن عُرِفت عادتُه، كثيرًا ما يقع أن يسمع منه مَن لم يعرف عادتَه من الغرباء ونحوهم [ص ٢] وربما كان يحضر حَلْقة المحدِّث مائة ألف أو أكثر.
وإذا راجعنا تراجم المدلسين من كتب الرجال وجدنا الرجلَ منهم قد يوثِّقه جماعة ولا يذكرون التدليس، وإنما يذكره واحد أو اثنان، وذلك قاضٍ بأنه لم يكن مشهورًا بالتدليس الشهرةَ الكافية.
ولا يظهر كبيرُ فرقٍ بين من يدلس عن الضعفاء مطلقًا كبقية بن الوليد ومَن لا يدلّس إلا عن ثقة عنده، ومَن لا يدلّس إلا عن ثقة متفق عليه، كسفيان بن عُيينة.
أما الثاني فلأنّ الثقة عنده قد يكون مجروحًا عند غيره، فالمفسدة باقية وإن كانت أخفّ من الأول.
وأما الثالث فلأن الثقات يتفاوتون في الحفظ والإتقان، ويظهر أثرُ ذلك عند التعارض، فإذا روى رجلٌ مكافئ لابن عُيينة حديثًا بالسماع من عَمرو بن دينار عن ابن عمر، وروى ابنُ عيينة حديثًا يعارضه عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة.
فربما رجّح من يظن أن ابن عُيينة سمع الحديث من الزهري حديثَ الزهري، ويكون ابن عُيينة إنما سمع الحديث من عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، ولكنه دلَّسه. ولو علم المرجّح بهذا لرجّح حديث عَمرو بن دينار.
نعم، إن مثل هذا قليل ولكن أصل الكذب باقٍ ولم تُدْفَع به مضرّة كما