ثانياً: إن هذه دعاوى تخمينية ليست قائمة على أي مبدأ علمي سليم فهم لم يرو من الوجود إلا ما يحيط بهم من الأرض وأنفسهم، فكيف زعموا أن الكون مكون مما ذكروا، مع أن ما لا يرونه وما لا يبصرونه من الكون أوسع وأعظم بملايين المرات مما رأوه، بل ما رأوه لا يعد شيئاً في مقابل ما لم يروه من الكون.
ثالثاً: أن المادة التي زعموا ميتة لا يمكن أن تصدر عنها الحياة، ومن المعلوم أن الكائنات المرئية على قسمين: كائنات حية، وكائنات ميتة جامدة، والمادة من ضمن الكائنات الميتة التي لا يمكن أن تصدر عنها الحياة، فمن أين جاءت الحياة؟؟
رابعاً: أن المادة التي زعموا غير عاقلة ولا مدركة لما حولها، إضافة إلى موتها فكيف يمكن أن يوجد منها ما هو عاقل ومدرك؟؟
خامساً: أن المادة غير قادرة وليس لها إرادة، فكيف يمكن أن توجد ما هو قادر مريد، ففاقد الشيء لا يعطيه؟؟
سادساً: أن هذه الدعوى باطلة ببديهة العقول من ناحيتين:
١ - أن المادة التي زعموا أنها أزلية لا يمكن أن تكون وجدت من لا شيء فهذا مستحيل، فلا بد لها من موجد أوجدها، وإلا تكون وجدت من لا شيء وهذا مستحيل معلوم بطلانه ببداهة العقول.
٢ - أن هذا الكون المنظم من أصغر ذرة فيه إلى أكبر جرم فيه لا بد أن يكون موجده أعظم منه وأكبر، وله صفات الكمال لأنه لا يمكن أن يوجد بهذا التنظيم وهذا الضبط بفعل حركة غير عاقلة، فإن الحركة التي لا يضبطها منظم لها لا يمكن أن يوجد منها شيء ذو معنى، كما لو وضعت حروف الهجاء في بطاقات ثم وضعتها في علبة وحركتها مئات بل ألوف الحركات فإنها لا يمكن