للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ب- إن كل موجود إنما يتميز عن غيره بالصفات الخاصة به، فالبشر يتميزون فيما بينهم بالصفات وهكذا سائر المخلوقات، وهي وإن كان بينها تماثل من وجه في تلك الصفات إلا أن بينها تمايزاً ظاهراً فكذلك الخالق تبارك وتعالى يتميز عن البشر بالصفات التي تميزه عن المخلوقات تميزاً ظاهراً.

ج- إن إثبات التمايز وعدم التماثل بين الخالق والمخلوق ضروري، كإثباتنا لوجوده وصفاته، لأنه وإن كان البشر وسائر المخلوقات تتصف بصفة الوجود، والخالق تبارك وتعالى متصف بذلك إلا أن الفرق بين الوجودين ظاهر واضح، فوجود كل موجود سوى الله عز وجل محدود له بداية، كما أنه يستمد وجوده من إيجاد الله تبارك وتعالى له، أما الله تبارك وتعالى فلا بداية لوجوده ولا يستمد وجوده من أحد سبحانه فهو الفرد الصمد وهو الأول والآخر. فعلى هذا لابد أن يكون له من الصفات أكملها وأعلاها مما لايماثله فيها أحد من مخلوقاته.

د- إن وجود المخلوقات موجب لوجود الصفات للخالق لأنه لا يمكن بحال أن توجد هذه المخلوقات مع ما هي عليه من حسن الخلق وعجيب الصنع وبديع النظام، ممن هو فاقد للصفات، فلا بد من إثبات الصفات بموجدها حتى يصح نسبة الإيجاد إليه، وعزو الفلاسفة الإيجاد إلى أشياء في زعمهم صدرت عن الله مثل النفس الكلية والعقل وما إلى ذلك إنما هو خرافة لأنه لا يمكن أن توجد النفس الكلية التي تفعل وتوجد أو تدبر وتتصرف والأصل الذي صدرت عنه فاقد لذلك، فمن أين لها أن توجد لنفسها الصفات التي تؤهلها للفعل والتدبير ما لم يكن أصلها يملك ذلك.

هـ- إذا أثبتنا أن دعوى النفس الكلية أو العقل الأول وما إليها خرافة من خرافات الفلاسفة وأن الموجد هو الله تبارك وتعالى وحده، فإن كل فعل دليل على صفات فاعله، فإنا نستدل على كمال عقل الإنسان وقوة ملكاته بما يصنع من مصنوعات.

<<  <   >  >>