ثانياً: قولهم بأنه واحد أو أوحد مرادهم به: أنه واحد من كل وجه بحيث لا يوصف بغير الواحدية أو الأحدية وهذا نفي لصفاته، وهو نفي لوجوده أيضاً، لأن كل موجود لا بد أن يوصف بالصفات كما سبق أن بينا، فإذا انتفت عنه الصفات فذلك نفي لوجوده، لأن إثبات وجود الشيء إنما هو إثبات لصفاته، فلا يمكن أن يكون موجوداً لا صفة له، لأنك حين تقول: لا صفة له، فذلك يعني أحد أمرين:
إما أنك غير قادر على التعبير عن صفاته بالعبارات الصحيحة، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم عن سدرة المنتهى:"فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها"(١). وهذا ما لا يقصده الفلاسفة.
والمعنى الآخر الذي يقصدونه: أنه لا صفة له في نفس الأمر يمكن أن تذكر أو يعبر عنها بعبارة، وحقيقة هذا أنه مثل قولك لا وجود له، لأن ما لا صفة له هو المعدوم الذي لا وجود له، وهذا يتنافى مع العقل، ولازم أخذهم بالعقل يوجب عليهم إثبات الصفات لأن نفي الصفات بالكلية عن الموجود ينافي العقل، فإن العقل لا يثبت موجوداً إلا له صفات، وما نفى العقل وجوده هو ما لا يستطيع أن يصفه بصفة وهذا هو حقيقة قول هؤلاء الفلاسفة الدهرية.
ثالثاً: قولهم إنه لا يتغير يقصدون بذلك: أنه لا يحدث فيه أي تغير لا في الماضي ولا في المستقبل مهما كان هذا التغير قليلاً. وهو قول لا يقبله العقل فضلاً عن الشرع، لأن معنى ذلك نفي لفعله وتشبيه له بالمعدوم أو الجماد، لأن المعدوم لا يتأتى منه الفعل، كما أن الجماد لا يتأتى منه فعل ولا تغير إلا أن يُغَير أما هو فلا يغير نفسه، ومعنى ذلك أن الله تبارك وتعالى لا يريد ولا يأمر ولا ينهى ولا يدبر ولا يتصرف في شيء بل الأشياء هي التي تتصرف دونه، ولا