للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مناقشة:

ونريد أَن نناقش فضيلته فِيمَا تقدم فَنَقُول:

هَذِه الخاصية الَّتِي أثبتها فضيلته لِلْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ، وَجعلهَا من أهم خَصَائِصه مَا الدَّلِيل عَلَيْهَا؟.. وَمن الَّذِي قررها أصلا وَجعلهَا كَمَا ذكر فضيلته؟.. هَل قررها الْقُرْآن؟.. فليتكرم على الْمُسلمين بِذكر الْآيَة الَّتِي بيّنت ذَلِك أَو أشارت إِلَيْهِ، هَل قرر ذَلِك الرَّسُول؟.. فليتكرم بِذكر الحَدِيث الَّذِي أَفَادَ هَذَا الحكم؛ فإننا بأمس الْحَاجة إِلَى مَعْرفَته لأسباب لَا تخفى على من يهمه أَمر الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين.

هَل أجمع على ذَلِك أَصْحَاب رَسُول الله وَعمِلُوا بِهِ؟ أم ذهب إِلَيْهِ جمهورهم أَو كَثْرَة مِنْهُم أَو حَتَّى وَلَو بضعَة من كبارهم وفقهائهم؟.. إِن كَانَ كَذَلِك فعلى الرَّأْس وَالْعين، وَلَكِن نُرِيد من فضيلته أَن يرشدنا إِلَى الْمصدر الَّذِي ذكر ذَلِك من المصادر الْمُعْتَبرَة عِنْد عُلَمَاء الْإِسْلَام، ونعنى بعلماء الْإِسْلَام أَئِمَّة السّلف خَاصَّة، ونعى بالسلف الْقُرُون الثَّلَاثَة الأولى من هَذِه الْأمة؛ لشهادة الْمُصْطَفى عَلَيْهِ السَّلَام بفضلهم، وَلما عرف لَهُم من أَحْوَال فِي الْعلم وَالدّين تخْتَلف عَنْهَا أَحْوَال من جَاءُوا بعدهمْ، وَلِأَن فبمَا بعدهمْ كثرت الْأَهْوَاء والابتداع فِي الدّين وَلم يسلم من ذَلِك إِلَّا الْقَلِيل، وَمن ثمَّ فإننا لَا نطمئن إِلَى نقل كثير من الْمُتَأَخِّرين وَلَا بآرائهم مَا لم يكن الْمصدر الَّذِي نقلوا عَنهُ مَوْجُودا بَين أَيْدِينَا، خَاصَّة فِي الْأُمُور الَّتِي فِيهَا خلاف جوهري يمس العقيدة، أَو يخْشَى أَن يَمَسهَا، أَو لَهُ صلَة ببدعة فتن بهَا كثير من الْمُسلمين كمسألتنا هَذِه.

كَمَا نذكِّر مسبقا بأننا لَا نعتبر عمل الصَّحَابِيّ الْوَاحِد حجَّة فِي الدّين إِذا انْفَرد بِهِ دون غَيره من الصَّحَابَة، وَلم يرد أَنهم وافقوه قولا وَلَا عملا وَمَا لم نعلم لَهُ مُسْتَندا من الْكتاب أَو السّنة؛ ذَلِك لِأَن التشريع من حق الله وَرَسُوله فَقَط وَلَا نصيب لأحد بعد الله وَرَسُوله فِيهِ، أما المجتهدون من الْعلمَاء فهم معرّضون لِأَن يُصِيبُوا وَلِأَن يخطئوا، وصوابهم أَن يوافقوا حكم الله وَرَسُوله بفهم مُقْتَضى نَص شَرْعِي، وخطؤهم أَن لَا يوافقوا حكم الله وَرَسُوله بِأَن لَا يوفّقوا لفهم النَّص الشَّرْعِيّ الَّذِي يُرِيدُونَ فهمه.

أما التخرص والاعتماد على وَاقع النَّاس، وَالِاسْتِدْلَال بِمَا تَفْعَلهُ الجماهير فَلَيْسَ حجَّة فِي الدّين عِنْد أحد يعرف أَن الْإِسْلَام هُوَ دين الله الَّذِي أنزلهُ على رَسُوله ورضيه لَهُم منهجا فِي الْعِبَادَات والمعاملات والأخلاق والآداب والسلوك؛ فأكمله وَأتم بِهِ النِّعْمَة على الْمُسلمين وبيّنه رَسُوله صلى الله عله وَسلم لأمته أتم بَيَان، كَانَ ذَلِك قبل أَن يقبض الله رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ، فَمَا من خير إِلَّا دلّ عَلَيْهِ أمته وَمَا من شَرّ إِلَّا نَهَانَا عَنهُ وحذرها من الْوُقُوع فِيهِ، خَاصَّة مَا يتَعَلَّق بتوحيد الله وحمايته من شوائب الشّرك وسد الذرائع الَّتِي يخْشَى أَن تتدرج بأمته إِلَى الْوُقُوع فِيمَا وَقعت فِيهِ الْأُمَم السَّابِقَة، فجزاه الله عَنَّا خير مَا جزى نَبيا عَن أمته.

أما زعم الشَّيْخ أَن السَّلَام على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ إِلَّا من دَاخل الْمَسْجِد قَدِيما وحديثا؛

<<  <   >  >>