للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والسعادة والشقاوة، وَلذَلِك حذر الني صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمته من الْوُقُوع فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ، وَلَكنهُمْ وَقَعُوا إِلَّا من عصمه الله وَقَلِيل مَا هم.

ونخن فِي هَذِه الْبِلَاد - وَالْحَمْد لله - لَا نزال فِي آثَار الدعْوَة الْخيرَة الَّتِي قضى الله بهَا على مظَاهر الوثنية فِي بِلَادنَا؛ نسْأَل الله تَعَالَى أَن يديم علينا نعْمَة التَّوْحِيد الَّتِي هِيَ أعظم نعْمَة تمتّع بهَا إِنْسَان على وَجه الأَرْض، وَأَن يوفق وُلَاة أمورنا لمزيد من حماية هَذِه النِّعْمَة وَمَعْرِفَة قدرهَا والحرص عَلَيْهَا والاغتباط بهَا، إِنَّه سميع مُجيب.

أما الْمَسَاجِد فَمَا كَانَت يَوْمًا من أَيَّام الدُّنْيَا مصدر فتْنَة وخطر على عقائد أهل التوحيدي وإتباع الرُّسُل، فلماذا يتَصَوَّر الْبَعْض أَن المشرع يَعْنِي بالقبور أَكثر من عنايته بالمساجد، فيبيح شدّ الرّحال لَهَا فِي الْوَقْت الَّذِي يمْنَع فِيهِ من شدّ الرّحال للمساجد؟.

اللَّهُمَّ وفقنا لاتباع رَسُولك والرضى بسنته، وَأَن لَا نبتدع فِي دينه، اللَّهُمَّ حبب إِلَيْنَا الْمَسَاجِد واجعلنا من أَهلهَا وعمارها، وَلَا تفتنا بالقبور وأحداثها

المشرع الْحَكِيم يُبِيح زِيَارَة الْمَقَابِر بعد مَنعه مِنْهَا مُبينًا الْحِكْمَة فِي ذَلِك:

كَانَ الني صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن زِيَارَة الْقُبُور؛ لما يُعلمهُ عَلَيْهِ السَّلَام من خطر فتنتها على من لم يتَمَكَّن من معرفَة الله على بَصِيرَة، ويتشبع من معرفَة التَّوْحِيد الَّذِي خلق الْجِنّ وَالْإِنْس من أَجله.

فَلَمَّا انْتَشَر الْإِسْلَام حسياً ومعنوياً، وتمكنت الْمعرفَة بِاللَّه وتوحيده فِي نفوس الْمُؤمنِينَ، وانتشر نور هدى الله فِي الأَرْض أَبَاحَ لَهُم زِيَارَة الْقُبُور مُعَللا ذَلِك بِأَنَّهَا تذكر الْآخِرَة، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: "كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فزوروها فأهما تذكر الْآخِرَة ".

هَذِه إِحْدَى حكمتين أَو علتين من أجلهَا رخص الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام بزيارة الْقُبُور بعد أَن كَانَ ناهياً عَنْهَا مَانِعا مِنْهَا.

أما الْعلَّة الثَّانِيَة فَهِيَ الْإِحْسَان إِلَى الْمَوْتَى بِالدُّعَاءِ لَهُم من الزائر، وَهَذِه الْعلَّة أَو الْحِكْمَة أخذت من عمل الرَّسُول وتعليمه لمن سَأَلَهُ مَاذَا يَقُول إِن هُوَ زار الْمَقَابِر، وَلَيْسَ هُنَاكَ حِكْمَة ثَالِثَة أَو عِلّة ثَالِثَة من أجلهَا تزار الْمَقَابِر، بل الْعلَّة الأولى هِيَ الأَصْل والأساس، أَعنِي تذكرة الْآخِرَة، بِدَلِيل أَن الرَّسُول - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- ذكرهَا لما أذن فِي زِيَارَة الْقُبُور وَلم يذكر الْأُخْرَى.

فيا ترى من زار قبر الرَّسُول، وَشد الرّحال لهَذِهِ الزِّيَارَة من أقْصَى الأَرْض أَو أدناها؛ أَي العلتين قصد؟ أيريد أَن يتَذَكَّر الْآخِرَة؟ فَعنده فِي بِلَاده، وَفِي كل بلد من الْمَقَابِر والأجداث الهامدة مَا يسيل دُمُوعه ويحرك قلبه ويذكره بِالْمَوْتِ وَمَا بعده؛ فَلَا دَاعِي لقطع القفار وجوب الديار لقبر أَو قبرين أَو ثَلَاثَة فِي أقْصَى الأَرْض وَأَدْنَاهَا، وَمَعَ ذَلِك هَذِه الْقُبُور الثَّلَاثَة - مَعَ أَن الْمَقْصُود مِنْهَا وَاحِد فَقَط - وَهِي محاطة بالجدران المنيعة والأستار الجميلة والزخارف البديعة وشباك الْحَدِيد.. الخ.

<<  <   >  >>