للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بل الصَّحِيح أَيهَا الشَّيْخ أَنهم متفقون على زِيَارَة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أمكن ذَلِك بِدُونِ شدّ رَحل، ومتفقون على مَشْرُوعِيَّة شدّ الرّحال لزيارة الْمَسْجِد النَّبَوِيّ للصَّلَاة فِيهِ، لَا لزيارة الْقَبْر.

أما شدّ الرّحال لِلْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ للسلام فموضع خلاف وافتراق لَا مَوضِع اجْتِمَاع واتفاق.

نقُول لفضيلته: مَا معنى قَوْلكُم (فَلَنْ يَتَأَتَّى) ؟ هَل معنى ذَلِك أَنه مُسْتَحِيل؟.. فَمَا وَجه استحالته؟..

أَنا نَفسِي مستعد أَن أثبت لَك أَنه مُمكن بِكُل سهولة وَيسر؛ فأنني لَا أجد أَي مَانع أَو مشكلة لِأَن آتِي عِنْد الْقَبْر الشريف وَأسلم وأنصرف دون أَن أُصَلِّي، وَدون أَن أَجْلِس؛ حَتَّى لَا تلزمني تَحِيَّة الْمَسْجِد وَدخُول الْمَسْجِد ثمَّ الْخُرُوج مِنْهُ بِدُونِ صَلَاة لَا فَائِدَة مِنْهُ، فوجوده وَعَدَمه سَوَاء، وَإِنَّمَا أفعل ذَلِك من أَجلك، حَتَّى إِنَّه يَتَأَتَّى وَغير مُسْتَحِيل كَمَا تصورت، وَكَذَلِكَ باستطاعتي أَن أَقف خَارج الْمَسْجِد، وَأسلم على رَسُول الله ثمَّ أنصرف دون أَن أَدخل الْمَسْجِد.

فَإِن قُلْتُمْ: بذلك لَا تكون قد زرت وَلَا تعْتَبر قد سلمت لِأَنَّك بعيد، أجبتكم بِأَن قلت: أَرَأَيْتُم لَو أَن حَائِط الْحُجْرَة الْمَوْجُود حاليا ألصق بجدار الْمَسْجِد الشرفي وبجداره القبلي، هَل تتوقفون عَن زيارته - عَلَيْهِ السَّلَام - وَالسَّلَام عَلَيْهِ لِأَن الْقَبْر صَار بَعيدا؟.. إِن قُلْتُمْ نعم، قُلْنَا: موقفكم الْآن للسلام بعيد؛ لِأَن بَيْنكُم وَبَين الْقَبْر مَسَافَة لَيست بقليلة، بل إِن فضيلتكم قررتم أَن رد السَّلَام مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَام - يحصل لمن سلم دَاخل الْمَسْجِد، وَلم تحددوا مَكَانا معينا محدودا من الْمَسْجِد، وَالْمَكَان الَّذِي قلت إِنَّنِي أَقف فِيهِ خَارج الْمَسْجِد وَأسلم على رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أقرب إِلَى الْقَبْر الشريف من أَكثر نواحي الْمَسْجِد.

تمّ يَقُول فضيلته: وَلَا يخْطر ذَلِك على بَال إِنْسَان.

من الَّذِي يعلم يَا فَضِيلَة الشَّيْخ مَاذَا يخْطر فِي قُلُوب النَّاس، وعَلى بَال كل وَاحِد من بني آدم سوى خالقهم تبَارك وَتَعَالَى؟ فعلى أَي أساس بنيت هَذَا الْجُزْء الْمُؤَكّد؟.. حَتَّى وَلَو كَانَ ذَلِك كفرا يخرج من الْملَّة الإسلامية فقد خطر الْكفْر على بَال مئات الملايين من الْبشر؛ أَلَسْت ترى أَن أَكثر أَبنَاء الْمُسلمين، وَأَن الملايين من المنتسبين لِلْإِسْلَامِ قد ضيعوا الصَّلَاة، وَمنعُوا الزَّكَاة، وارتكبوا الْفَوَاحِش والمنكرات؟.. أَلَيْسَ كل وَاحِد مِنْهُم يُسمى إنْسَانا؟.. فلماذا مسألتك هَذِه لَا تخطر وَلنْ تخطر على بَال إِنْسَان؟.. أَرَأَيْت لَو علتم أَن شخصا وصل الْمَسْجِد النَّبَوِيّ قادما من مصر أَو الشَّام أَو أَي قطر من أقطار الأَرْض، وَصلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ أَو أَكثر، ثمَّ سَافر وَلم يَأْتِ عِنْد قبر النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَا سلم عَلَيْهِ السَّلَام الْخَاص الَّذِي يُقَال عِنْد الْقَبْر، وَلكنه يُصَلِّي وَيسلم على نبيه فِي صلَاته وَعند دُخُول الْمَسْجِد وَعند الْخُرُوج مِنْهُ وَعند ذكره وَفِي كل مُنَاسبَة؛ فبماذا تحكمون عَلَيْهِ يَا فَضِيلَة الشَّيْخ؟.. أتقولون: إِن ذَلِك لن يَتَأَتَّى، نقُول لكم: قد تأتى وَوَقع فعلا، أتقولون إِن ذَلِك لن يخْطر على بَال إِنْسَان.. نقُول لكم: خطر على باله وَوَقع مِنْهُ، أتقولون إِنَّه كفر بذلك؟.. نقُول لكم: لم يكفر، وَلم يرتكب كَبِيرَة من الْكَبَائِر وَلَا صَغِيرَة من الصَّغَائِر؛ فَمن زعم غير ذَلِك فَعَلَيهِ الدَّلِيل وَدون ذَلِك الدَّلِيل خرط القتاد.

<<  <   >  >>