للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَنَحْو ذَلِك، وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُقيم قي بَيته مَعَ أَهله لَيْلًا وَنَهَارًا وَيَقْضِي حَاجته، وَلَا يفعل هَذَا فِي جُزْء من الْمَسْجِد، وَكَانَ - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- إِذا اعْتكف خرج من بَيته وَدخل الْمَسْجِد؛ فَلَو كَانَ بَيته جُزْءا من الْمَسْجِد كَمَا زعم فَضِيلَة الشَّيْخ لما احْتَاجَ- عَلَيْهِ السّلم- إِلَى أَن يتْرك الْبَيْت من أجل الِاعْتِكَاف.

أما إِن كَانَ قصدكم بعد وَفَاته وَدَفنه – عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام -، وَبعد إحاطة الْمَسْجِد بالحجرة بِعَمَل وتدبير حَاكم لم يُرَاجع الشَّرْع، وَلم يستثر عُلَمَاء الْأمة الإسلامية فِي عمله هَذَا - وَهَذِه من الْأَدِلَّة العديدة الَّتِي عرفنَا مِنْهَا أَنكُمْ تعتبرون الْوَاقِع دَلِيلا على الشَّرْع، مَعَ أَن الْوَاجِب أَن يُقَاس الْوَاقِع بِالشَّرْعِ؛ فَإِن أقره وَوَافَقَهُ فَهُوَ شَرْعِي وَإِلَّا فَهُوَ عمل بَاطِل يَنْبَغِي رده وَالْقَضَاء عَلَيْهِ - إِن كَانَ ذَلِك هُوَ قصدكم - يَا فَضِيلَة الشَّيْخ - فَنحْن نفيدكم أَن الْحُجْرَة لَا تزَال وَلنْ تزَال إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَيست من الْمَسْجِد وَلَا جُزْءا من أَجْزَائِهِ؛ لِأَن فِي داخلها مَقْبرَة، والمقبرة لَا تكون مَسْجِدا شَرْعِيًّا أبدا، وَالصَّلَاة فِيهَا بَاطِلَة بِنَصّ الحَدِيث النَّبَوِيّ الصَّحِيح بل إِن من اتخذ الْمقْبرَة مَسْجِدا فَهُوَ مَلْعُون على لِسَان سيد الْخلق مُحَمَّد بن عبد الله عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَأتم التَّسْلِيم.

أما استدلالكم بِحَدِيث الرَّوْضَة على أَن الْمَسْجِد هُوَ نَفسه بَيت الرَّسُول، وَأَن بَيت الرَّسُول جُزْء من الْمَسْجِد فَأنْتم باستدلالكم هَذَا كمن يحاول أَن يَجْعَل من خيوط العنكبوت أربطة للسفن الْكَبِيرَة حَتَّى لَا تذْهب بهَا أمواج الْبحار.

أَلا تعلم يَا فَضِيلَة الشَّيْخ أَن الْغَايَة لَا تدخل فِي المغيَّى؟.. إِنَّنِي أفهم من حَدِيث: "مَا بَين بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة" أَن الْمَوْصُوف هُوَ المساحة الْوَاقِعَة ابْتِدَاء بجدار الْمَسْجِد الملاصق للحجرة وانتهاءً بالمنبر، والمنبر يدْخل فِي تِلْكَ المساحة الموصوفة؛ لِأَنَّهَا تحيط بِهِ لصِغَر حجمه ولوجوده دَاخل الْمَسْجِد، وَقد لَا يدْخل الْمِنْبَر، الله أعلم؛ لَا نجزم بِهَذَا قطعا وَلَا بِهَذَا قطعا، وَإِنَّمَا نقُول مَا يتَرَجَّح فِي نَظرنَا وَالْعلم عِنْد الله.

وَقَالَ الشَّيْخ: "وَمن نَاحيَة أُخْرَى هَل يسلم أحد عَلَيْهِ - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- من قريب؛ لينال فضل رد السَّلَام مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَام - إِلَّا إِذا كَانَ سَلَامه عَن قرب وَمن الْمَسْجِد نَفسه".

نقُول يَا فَضِيلَة الشَّيْخ: هَذَا كُله من تخيلاتك وتصوراتك الْخَاصَّة وَلَا مُسْتَند لَهُ من شرع وَلَا من عقل، وَقد أجبنا على هَذَا مفصلا فِي مَا تقدم من هَذَا الْبَحْث فَلَا دَاعِي لتكراره.

تمّ قَالَ الشَّيْخ: "وَهل تكون الزِّيَارَة سنية إِلَّا إِذا دخل الْمَسْجِد وَصلى أَولا تَحِيَّة الْمَسْجِد؟.."

نقُول: إِن أردْت زِيَارَة الْمَسْجِد فَأَنت صَادِق، وَالْوَاقِع كَمَا قلت، لَا تكون الزِّيَارَة سنية شَرْعِيَّة إِلَّا إِذا دخل الْمَسْجِد وَصلى فِيهِ، أما مُجَرّد أَن يصل الْمَدِينَة ثمَّ يرجع دون أَن يدْخل الْمَسْجِد وَيُصلي فِيهِ؛ لَا يعْتَبر ذَلِك قد زار الْمَسْجِد وَلَا يعد مُنْتَفعا بِتِلْكَ الزِّيَارَة.

<<  <   >  >>