للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خبر جبلة بن الأيهم

لما هرب من عمر إلى هرقل وتنصر

جبلة بن الأيهم وتنصره

ومما ذكره عبد الملك بن بدرون، شارح قصيدة عبد المجيد بن عبدون، عما وقع لجبلة بن الأيهم حين لطم الفزاري على وجهه لما داس على ردائه، وقال له عمر رضي الله عنه: دعه يقتص منك، أو ما هذا معناه، فقال لعمر: وهل استوي أنا وهو في ذلك؟ فقال له: نعم، الإسلام ساوى بينكما. فقال: أجلني إلى غد. فلما أصبح مضى إلى قيصر ملك الروم، وارتد ثم ندم وقال أبياتاً، وهي هذه:

تنصرت الأشراف من أجل لطمة ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

تكنفني منها لجاج ونخوة ... فبعت بها العين الصحيحة بالعور

فيا ليت أمي لم تلدني وليتني ... رجعت إلى الأمر الذي قاله عمر

ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة ... وكنت أسيراً في ربيعة أو مضر

ويا ليت لي بالشام أدنى معيشة ... أجالس قومي ذاهب السمع والبصر

ولما تنصر جبلة بن الأيهم ولحق بهرقل، صاحب القسطنطينية، أقطعه هرقل الأموال والضياع، وبقي ما شاء الله.

ثم أن عمر رضي الله عنه بعث إلى قيصر رسولاً يدعوه إلى الإسلام أو إلى الجزية. فلما أراد الانصراف قال هرقل للرسول: ألقيت ابن عمك هذا الذي عندنا؟ يعني جبلة الذي أتانا راغباً في ديننا.

قال: لا! قال: فالقه ثم ائتني أعطك جواب كتابك.

قال الرسول: فذهبت إلى دار جبلة فإذا عليه من القهارمة والحجاب والبهجة وكثرة الجمع مثلً ما على باب هرقل فلم أزل أتلطف بالإذن حتى أذن لي فدخلت عليه، فرأيته أصهب اللحية ذا سبال، وكان عهدي به أسود اللحية والرأس، فأنكرته، فإذا هو قد دعا بسحالة الذهب، فذرها على لحيته حتى أصهبت، وهو قاعد على سرير من قوارير على قوائمه أربعة أسود من ذهب. فلما عرفني رفعني معه على السرير، فجعل يسألني عن المسلمين، فذكرت له خيراً وقلت له: قد أضعفوا أضعافاً على ما تعرف. فقال: وكيف عمر بن الخطاب؟ قلت: بخير. قال: فرأيت الغم في وجهه لما ذكرت له منه سلامة عمر.

<<  <   >  >>