للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقال: إنّهم لما قالوا لنوح عليه السّلام: إن هؤلاء إنما آمنوا بك، واتّبعوك في ظاهر ما ترى منهم، أجابهم نوح بهذا، فقال: لا أقول لكم عندي خزائن الله، يعني غيوب الله التي يعلم منها ما تضمره الناس، فلا أعلم الغيب، ولا أعلم ما يسرّونه في أنفسهم، فسبيلي قبول إيمانهم الذي ظهر لي، ومضمراتهم لا يعلمها إلاّ الله.

قوله تعالى: {وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ؛} هذا جواب لقولهم: ما نراك إلا بشرا مثلنا؛ أي لا أدّعي أنّي ملك نزلت إليكم من السّماء. قوله تعالى: {وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً؛} أي لا أقول للذين تحتقر أعينكم وتستصغر: لن يؤتيكم الله صلاحا في الدّنيا وفلاحا في الآخرة، يعني المؤمنين الذين قالوا: هم أراذلنا. قوله تعالى: {اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ} (٣١)؛أي إن طردتّهم تكذيبا، الظاهر إيمانهم.

قوله تعالى: {قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا؛} أي قالوا: يا نوح قد خاصمتنا فيما دعوتنا إليه من دين غير آبائنا، فأكثرت خصومتنا ودعاءنا، فلا نقبل منك، {فَأْتِنا بِما تَعِدُنا،} أي بما تعدنا أنّ الله يعذّبنا على الكفر، {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ} (٣٢)؛أراد بهذا القول أن يلبسوا على ضعفائهم أنّ نوحا عاجز عن إنزال العذاب بهم.

قوله تعالى: {قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ؛} أي إن العذاب ليس بيدي، ولكنّ الله هو الذي يقدر عليه، فينزله عليكم إن شاء، {وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} (٣٣)؛من إنزال العذاب بكم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: [إنّ نوحا عليه السّلام كان إذا جادل قومه ضربوه، فإذا أفاق قال: اللهمّ اهد قومي؛ فإنّهم لا يعلمون] (١).

قوله تعالى: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ؛} معناه: قال لهم: لا ينفعكم دعائي، وتحذيري إيّاكم إن أردت أن


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: تفسير الآية (٤٠) عن عبيد بن عمير الليثي في الرقم (١٤٠٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>