للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذلك أنّهم كانوا مستضعفين بمكّة وكانوا مؤمنين، فعذبهم أهل مكة حتى ارتدّوا عن الإسلام ليسلموا من شرّهم، ثم هاجروا من بعد ما فتنوا؛ أي من بعد ما عذّبوا، ثم جاهدوا مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصبروا على الجهاد، {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها؛} تلك الفتنة وتلك الفعلة التي فعلوها من التلفّظ بكلمة الكفر، {لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (١١٠)؛وقرأ ابن عامر «(فتنوا)» بفتح الفاء؛ أي فتنوا أنفسهم بإظهار ما أظهروا للفتنة.

قوله تعالى: {*يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها؛} يجوز أن يكون {(يَوْمَ)} منصوبا بنزع الخافض أي في يوم تأتي كلّ نفس، ويجوز أن يكون المعنى: واذكر يوم تأتي كلّ نفس، وهو يوم القيامة، يجادل فيه كلّ إنسان عن نفسه، {وَتُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ؛} برّة أو فاجرة، {ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} (١١١)،جزاء ما عملت من خير أو شرّ، لا ينقص من ثواب محسن، ولا يزاد على عقاب مسيء.

واختلفوا في المجادلة المذكورة في الآية، قال بعضهم: هو قول الكفّار: ما كنّا مشركين، وقولهم: ربّنا هؤلاء أضلّونا. ومعنى الآية: إنّ كلّ أحد لا تهمّه إلا نفسه، فهو يخاصم ويحتجّ عن نفسه، لا يتفرّع إلى غيره.

قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً؛} يعني مكّة كان أهلها آمنين لا يهاج أهلها ولا يغار عليها، بخلاف قرى سائر العرب، لأن العرب كانت لا تقصد مكّة احتراما لحرم الله، وقوله تعالى: {(مُطْمَئِنَّةً)} أي قارّة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتجاع ولا الانتقال، كما يحتاج إليه سائر العرب.

قوله تعالى: {يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ؛} أي كان الرزق واسعا على أهل مكّة يحمل إليهم من البرّ والبحر، كما قال تعالى {يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ} (١)، {فَكَفَرَتْ؛} فكفر أهل مكّة، {بِأَنْعُمِ اللهِ،} حين كذبوا بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم وخالفوه، وكذبوا بالقرآن بعد قيام الحجّة عليهم، {فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ،} فعاقبهم الله سبع سنين بالقحط، وخوّفهم من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن عساكره وسراياه، {بِما كانُوا يَصْنَعُونَ} (١١٢)،من تكذيبه.


(١) القصص ٥٧/.

<<  <  ج: ص:  >  >>