للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنا: أن الذكاة فعل مشروع، وهذا فعل حرام، فلا يكون ذكاة كذبيحة المجوسي؛ وهذا لأن المشروع هو الذي قام مقام المميز بين الدم واللحم تيسيرا، فينعدم بانعدامه. فإن أكل المحرم الذابح من ذلك شيئا فعليه قيمة ما أكل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: ليس عليه جزاء ما أكل، وإن أكل منه محرم آخر فلا شيء عليه في قولهم جميعا. لهما أن هذه ميتة فلا يلزمه بأكلها إلا الاستغفار، وصار كما إذا أكله محرم غيره.

ــ

[البناية]

م: (ولنا: أن الذكاة فعل مشروع، وهذا فعل حرام، فلا يكون ذكاة كذبيحة المجوسي) ش: فإن قلت: يشكل على هذا ذبح الغير بغير أمره، فإنه حرام، ومع ذلك يحل تناولها.

قلت: النهي في معنى عين الذبح ولم يصر المذبوح حرامًا لعينه، بل لصيانة حق الغير، ولهذا يحل ذبحه بإذن المالك، فكان الذبح مشروعًا في نفسه، أما هاهنا نفس الفعل حرام لعينه؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} [المائدة: ٩٥] (المائدة: الآية ٩٥) ، فقد وصف الصيد بالحرمة فدل على خروج المحل عن قبول الفعل الحلال.

م: (وهذا) ش: أي كون ذبح المحرم حرامًا. م: (لأن المشروع) ش: أي الذبح المشروع. م: (هو الذي قام مقام المميز بين الدم واللحم تيسيرا) ش: لأن الذبح لا يتبين بخروج كل الدم النجس لغير الخبيث من الطيب؛ لأن الميتة حرام باعتبار الدم المسفوح باللحم؛ لأن الشرع أقام الذبح مقامه تيسيرًا، ولهذا لو ذبح ولم يسل الدم يحل أكله، ولو ذبح المجوسي وسال الدم لم يحل أكله، فينتفي ما لم يكن مشروعًا على أصل القياس. م: (فينعدم) ش: أي الميزان والحل. م: (بانعدامه) ش: أي بانعدام الفعل المشروع، وهو الذكاة؛ لأن الانعدام لعدم المحلية كالانعدام بعدم الأهلية كما في المجوسي. م: (فإن أكل المحرم الذابح من ذلك) ش: أي من الذي ذبحه. م: (شيئا فعليه قيمة ما أكل عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ش: هذا الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه فيما إذا أكل من الصيد بعدما أدى جزاءه، فعنده يجب ما أكل، وعندهما لا يجب عليه إلا الاستغفار، أما إذا أكل قبل أداء الجزاء دخل ما إذا أكل في ضمان الجزاء بالإجماع، وبه صرح في " المختلف "، وقول الشافعي مثل قولهما، كذا في " الإيضاح "، وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أما إذا أكل من المذبوح قبل أداء الجزاء فلا رواية في هذه المسألة، ويجوز أن يقال: يجب فيه الجزاء مضافًا إلى القتل، ويجوز أنهما متداخلان.

م: (وقالا: ليس عليه جزاء ما أكل) ش: وبه قال الشافعي عنه، ومالك، وأحمد، وأكثر أهل العلم. م: (وإن أكل منه محرم آخر فلا شيء عليه في قولهم جميعا) ش: أي لا شيء عليه من قيمة ما أكل بلا خلاف كالحلال إذا قتل صيد الحرم فأكل منه. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. م: (أن هذه) ش: أي ذبيحة المحرم. م: (ميتة فلا يلزمه بأكلها إلا الاستغفار) ش: والتوبة لأنه معصية. م: (وصار كما إذا أكله محرم غيره) ش: أي غير الذابح أو أكله حلال.

<<  <  ج: ص:  >  >>