للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله ... عَار عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم

وفاقد الرشد كَيفَ يرشد غَيره، وَمن لَا نور لَهُ كَيفَ يَسْتَنِير بِهِ سواهُ.

وَمِمَّا يدل على أثر تخلف الْقدْوَة فِي الْعَمَل مَا ورد فِي حَدِيث صلح الْحُدَيْبِيَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأَصْحَابه بعد الصُّلْح: ((قومُوا فَانْحَرُوا ثمَّ احْلقُوا)) قَالَ الرَّاوِي: فوَاللَّه مَا قَامَ مِنْهُم رجل، حَتَّى قَالَ ذَلِك ثَلَاث مَرَّات، فَلَمَّا لم يقم مِنْهُم أحد دخل على أم سَلمَة فَذكر لَهَا مَا لَقِي من النَّاس فَقَالَت أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا: يانبي الله أَتُحِبُّ ذَلِك؟ اخْرُج ثمَّ لَا تكلم أحدا مِنْهُم كلمة حَتَّى تنحر بدنك وَتَدْعُو حالقك فيحلقك. فَخرج فَلم يكلم أحدا مِنْهُم حَتَّى فعل ذَلِك نحر بُدنَه ودعا حالقه فحلقه فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك قَامُوا فنحروا وَجعل بَعضهم يحلق بَعْضًا)) (١) فَانْظُر كَيفَ بَادر الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم حينما تمثلت أمامهم الْقدْوَة وَكَيف أحجموا قبل ذَلِك. مِمَّا يُؤَكد أهمية الْقدْوَة وضرورتها. يَقُول الْمَنَاوِيّ فِي شَرحه لأحاديث الْجَامِع الصَّغِير ـ مُبينًا أثر تخلف الْقدْوَة ـ: ((فَحق الْوَاعِظ أَن يتعظ بِمَا يعظ ويُبصر ثمَّ يبَصَّر ويهتدي ثمَّ يهدي وَلَا يكون دفترا يُفِيد وَلَا يَسْتَفِيد ومِسَنّاً يشحذ وَلَا يقطع بل يكون كَالشَّمْسِ الَّتِي تفِيد الْقَمَر الضَّوْء وَلها أفضل مِمَّا تفيده وكالنار الَّتِي تَحْمِي الْحَدِيد وَلها من الحمي أَكثر وَيجب أَن لَا يجرح مقاله بِفِعْلِهِ وَلَا يكذب لِسَانه بِحَالهِ فَيكون مِمَّن وَصفه الله تَعَالَى بقوله {وَمن النَّاس من يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيشْهد الله على مافي قلبه وَهُوَ أَشد الْخِصَام} (٢) فالواعظ مَا لم يكن مَعَ مقاله فعال لم ينْتَفع بِهِ إِذْ عمله مدرك بالبصر وَعلمه مدرك بالبصيرة وَأكْثر النَّاس أهل أبصار لَا بصائر فَيجب كَون عنايته


(١) أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه ك: الشُّرُوط ب: الشُّرُوط فِي الْجِهَاد، فِي أثْنَاء حَدِيث طَوِيل رقم: ٢٧٣١. انْظُر الْفَتْح (٥/٣٢٩ - ٣٣٣) .
(٢) سُورَة البقره الْآيَة ٢٠٤.

<<  <   >  >>