للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسماه مقدسًا لكي يميزه عن تفسير السحرة. . .) (١).

وبعد هذا الخلط المتعمد، يصل إلى التفسير المادي لعالم الغيب الذي جاء به الدين، والذي سبق أن مهد له بنفي اليوم الآخر والبعث وخلود الإنسان بعده، باعتبار أن ذلك من لغة السحرة والكهان، جاء ليفسر عالم الغيب تفسيرًا دنيويًا ماديًا بحتًا فيقول: (. . . إن العالم الذي قلبه الكهنة يستعيد توازنه فجأة في ثلاثة مواقع رئيسية:

في الموقع الأول: لم يعد عالم الغيب غائبًا عن عيون الناس بل صار اسمه المستقبل، وصار بوسع الناس أن يعرفوا مستقبلهم سلفًا، بقليل من المنطق وعلم الحساب.

في الموقع الثاني: لم يعد عالم الغيب، رهنًا بما يقوله الكهنة؛ لأن المستقبل الوحيد الذي يعرفه الإنسان الحي، مستقبل لا يضمنه القول، بل يضمنه الفعل.

في الموقع الثالث: لم يعده عالم الغيب خارجًا عن سنن الطبيعة، بل صار طبيعيًا، وصاو قابلًا للتفسير العلمي، حتى إذا نطقت فيه الأصنام وارتادته التنانين المجنحة، فمستقبل الإنسان عالم مدهش -مثل عالم السحرةالغائب - لكنه لا يحتاج إلى لغة الأساطير.

هذا التفسير المديني لكلمة "عالم الغيب" رفضه الكهنة في جميع العصور بحجة أنه تفسير إلحادي قائم على إنكار البعث بعد الموت) (٢).

لعل هذا الكاتب لم يجد في نفسه الجرأة أن يهاجم قضية الغيب بصراحة، فراح يتستر وراء مهاجمة "أفكار الكهنة" أو "السحرة" ومن هناك يهاجم كل المفاهيم الدينية ليأمن من تهمة الإلحاد والمروق، وفي الحقيقة أن غاية كلامه ومنتهى عجاراته أنه لا وجود لعالم الغيب، وإذا كان له وجود في اللغة الدينية -حسب تعبيره- فإنه وجود مادي أرضي حيواني، جريًا


(١) مجلة الناقد، عدد ٨، فبراير ١٩٨٩ م/ ١٤٠٩ هـ: ص ١٠، وكتابه المسمى الإسلام في الأسر: ص ٨٠.
(٢) المصدران السابقان.

<<  <  ج: ص:  >  >>