للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مولودة فيصفها بالخلود حتى لو ماتت فإنها تبعث من جديد وتعود للظهور، ولا يدري العاقل كيف يفكر هؤلاء؟ لكنها العقلية الجاهلية منذ القدم، عقلية بليدة راكدة، وقد كان كفار الجاهلية العرب يصنع أحدهم إلهًا له من التمر فإذا جاع أكله، وها هم أولاء يعودون من جديد بالعقلية نفسها وبالجهل الضارب نفسه، قال اللَّه تعالى واصفًا هؤلاء قديمهم وحديثهم: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (٢٢)} (١).

وها نحن نرى من يبجل الوثن، ويطلق زمزماته التقديسية، لكن تحت شعارات التفلسف والتأدب، حيث لا فلسفة ولا عقل ولا أدب وإنَّما جاهلية عارية صلعاء، يقول البياتي عن معبودته عشتار:

(طفلة أنت وأنثى واعدة

ولد من زبد البحر ومن نار الشموس الخالدة

كلما ماتت بعصر بعثت

قامت من الموت وعادت للظهور

أنت عنقاء الحضارات

وأنثى سارق النيران في كل العصور) (٢).

إن البياتي الرائد الحداثي والقدوة، والمعلم للأجيال الحداثية اللاحقة، ينحني بخضوع وذلة أمام الرموز الوثنية، ويتقلب في عرصاتها ذات اليمين وذات الشمال، وما من وثن يبرز في كلام أساتذته الغربيين أو الشرقيين إلّا جرى لاهثًا خلفه يؤدي مراسيم العبادة أمام ما يسميه كعبة الشعر في قوله: (إذا كان البعض يحج إلى كعبته كل عام فأنا أحج إلى كعبتي في كل كلمة أكتبها) (٣).


(١) الآية ٢٢ من سورة الأنفال.
(٢) ديوان البياتي: ص ٢٠٩.
(٣) تجربتي الشعرية: ص ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>