ولا شك أن هذا اللون يصل إلى درجة كبيرة من التكلف المؤدي إلى الثقل، وصعوبة المأخذ، ويظهر ذلك واضحا جليا في الأبيات التي وصفها الحريري نفسه بقوله لصبيه الذي قالها على لسانه قال إنها:"الأبيات العرائس وإن لم تكن نفائس"، فسماها بالعرائس لتزيينها بالنقط تشبيها لها بالزينة العربية التي كانت تتم بالنقط على خدي العروس نقطا صغارا بالزعفران، ويلاحظ أن الحريري يلتزم المقابلة حتى في التسمية، لأن التي أوردها قبلها سماها العواطل لعدم تزينها بالنقط، المهم أنه استدرك على تسميتها بالعرائس بوصفها بأنها لم تكن نفائس، فهي لا تتمتع بالقدر الرفيع في هذا الفن لما فيها من الضعف، كما أن فيها التزام ما لا يلزم؛ لأنها جاءت لغرض بيان الاقتدار على هذا العمل الذي قام به، ومع ما سبق من كلام أبي العباس إلا أنه قال في هذه الأبيات:"مع أنها غير نفائس إلا أنها أحسن مما قيل في بابها"، وهذه شهادة للحريري بالمقدرة الفنية في الأصباغ البديعية.
أراك أيها القارئ تتطلع إلى هذه الأبيات فإليك بها:
فتنتني فجنَّنتْني تجني
بتجن يَفْتَنّ غِبّ تجني
شغفتني بجفن ظبي غضيض
غنج يقتضي تفيض جفني
غَشيتني بِزِينَتَيْن فشَقَّتـ
ني بري يَشِف بين تثنّي
فتظنَّيتُ تَجتَبِيني فتجزيـ
ـني بنفثٍ يشفي فَخُيّب ظني
ثبَّتَتْ في غِمش جيب بتزييـ
ـن خبيث يبغي تشفي ضِغن
فنَزَتْ في تجنبي فثنَّتْنِي
بنشيج يُشجي بِفَن فَفَن
المفردات تحت الخط [٣٧] .
غالب ظني أن الحريري يشير بمحبوبته التي سماها (تجني) إلى تلك المرأة الجميلة الخبيثة الخداعة، التي تهرب منها فتتبعك، وتجري خلفها وتطير منك، ألا وهي الدنيا؛ لأنه كثيرا ما ذم الدنيا وتقلباتها لولا ضيق المقام لأوردنا كثيرا مما قاله في ذلك.