ومن هنا نقول: إن الهدية مشروعة ومرغب فيها، ولها أثر ضد أثر الرشوة؛ لأنها تؤلف القلوب وتورث المحبة، كما قال صلى الله عليه وسلم:"تهادوا تحابوا" وبين أن الهدية تزيل أضغان النفوس.
بينما الرشوة على العكس تورث القطيعة وتوقع العداوة، والهدية يدفع المهدي بطيب نفس تقديرا للمهديىإليه أو تطييبا لخاطره أو تأليفا له، وكلها مقاصد حسنة وعن طواعية، ولذا فهو لا يخفيها كما يخفي الراشي رشوته والمهدى إليه قد يكافأ عليها إن عاجلا أم آجلا.
بينما الرشوة يدفعها الراشي مكرها ويأخذها المرتشي متسترا، وقد جاء الحديث:"لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس"، وهو موافق للهدية معاكس للرشوة، وكما في قوله تعالى:{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} أي لطيب النفس به.
وقد روي عن علي رضي الله عنه في الدواء أن تأخذ هبة من صداق زوجتك وتشتري به عسلا، أي لاجتماع الشفاء به.
والنصوص في قبول الهدية أكثر من أن تورد هنا، ويكفي إجماع المسلمين على قبولها.
وهناك ما هو أعم، وهو كل عطاء بغير مسألة سواء قصد بذلك الإهداء والمحبة أو قصد به العطف والمساعدة، كما في حديث عائشة رضي الله عنها عند أحمد والبيهقي أن عبد الله بن عامر بعث إليها بنفقة وكسوة فردته، ثم استدعت الرسول بها وقالت: إني ذكرت شيئا قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة من أعطاك عطاء بغير مسألة فاقبليه، فإنما هو رزق الله تعالى إليك".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من عرض له من هذا الورق شيء من غير مسالة ولا إشراف نفس فليتوسع به في رزقه، فإن كان غنيا فليوجهه إلى من هو أحوج إليه منه"، رواه أحمد والبيهقي وإسناد أحمد جيد قوي [٦] .
والنصوص في هذا من حلها وجوازها معلومة، بينما الرشوة كما تقدم.