فالفرق بينهما هو عين الفرق بين الحلال الصرف والحرام البحت.
تحذير: وهنا يلزم التحذير الشديد من تسمية الرشوة باسم الهدية؛ لأن من أكلها عالما بها أنها رشوة مستحلا إياها فإنه يخشى عليه الكفر؛ لأنه يدخل في عموم من استحل ما علم تحريمه بالضرورة.
والسؤال هو: متى يكون العطاء هدية ومتى يكون رشوة؟
والجواب أولا وقبل كل شيء أن الأمور بالمقاصد، بناء على حديث:"إنما الأعمال بالنيات"، وحديث:"البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس".
حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه قال جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أتيت تسأل عن البر والإثم؟ " قلت نعم، قال:"استفت قلبك! البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك".
هذا بحمد الله مقياس واضح في نفس كل مسلم.
ولكن مع هذا أيضا فقد يتساءل البعض عن وجود فارق بين الرشوة والهدية ينتهي إليه كل إنسان، بل ونحكم نحن بمقتضاه على ما نقف عليه من غيرنا، ومما يخفى على بعضنا.
ولا بأس بهذا؛ فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الجواب الكافي في قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا إن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".
ونلاحظ في هذا الحديث تأكيد الأسلوب بـ (إن) في الطرفين الحلال والحرام؛ ليوضح أمرهما ومعرفتهما للجميع، وإهمال الواسطة بينهما عن التأكيد لغموضها، وذلك لأن لا يعرفها كثير من الناس.